لا يبدو غريباً ان أبدأ عمودي ببيت شعر للراحل مظفر النواب (أروني موقفا أكثر بذاءةً مما نحنُ فيه)، لأننا وبصراحة نعيش مرحلة خطيرة تنحرف فيها السلطة التشريعية عن مسار عملها المطلوب وتتحول إلى سوق للمساومات التي تجعلنا نشعر بأننا نسير باتجاه اللا دولة.
فعندما يغيب الدور الرقابي، وحين تصبح التشريعات مزاداً للمساومات، وحين يغالي المسؤول في مقايضاته كنخاس لايملك ذرة من الانسانية، وحين يلقون بنا في مستنقع المحاصصة والطائفية المقيت، نصبح شعباً يعيش في نظام اللادولة.
قد يدعي البعض من "ممثلي" الشعب بأن برلمانه نتاج الديموقراطيةُ التي تستند شرعيتها إلى قانون العدد. إلا أن "قانون العدد" لا يتوافق واحترامَ الحق دوماً، ولا يضمن قانون الأغلبية احترام الفريضة الأخلاقية التي تؤسس للديموقراطية، إذ يمكن لدكتاتورية الكثرة أن تكون أشرس من استبداد الفرد الواحد.
ماذا ينبغي أن يحدث عندما تتعارض إرادةُ الشعب مع العدالة وترتضي الطغيان؟ في نظر المواطن الديمقراطي لامجال لأي شك بأن الفريضة الأخلاقية يجب أن تعلو على إرادة الأكثرية، والحق يجب أن يُغلَّب على العدد، ففي الديمقراطية الحقيقية، احترام الحق ملزِم أكثر من احترام الاقتراع العام.
إن مايضمن الديمقراطية ليس دولة قادرة، بل دولة القانون. فالتهديدات التي تعيق النظامَ الديمقراطي سببُها أولاً الإيديولوجيات المرتكزة على التمييز والإقصاء، مهما كانت طبيعتها، والتي تستسهل ممارسة العنف وشرعنته كلما خدم مصالحها، وتنشر جراثيمها داخل المجتمع وخارجه دون أن تعرف حدوداً. ولما كان العنف أكثر المشاكل التي تمثل خطراً على الديمقراطية، فإن الدفاع عنها وتحقيق التحول الديمقراطي يستدعي مواجهة هذه الإيديولوجيات، وشن كفاح عنيد ضدها وضد ما تمارسه من عنف.
إن المخاطر التي تهدد الديمقراطية لا تعبِّر عن نفسها من خلال الأفكار الفاسدة التي يُسبب نشرُها تقويض مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان وحسب، بل تتجلى أيضًا من خلال تنظيم أعمال تهدف إلى زعزعة استقرار المؤسسات الديمقراطية والسلم المجتمعي، وهذا ما يحصل الآن في العراق من خلال حزمة المساومات التي يناقشها البرلمان العراقي، مما يتطلب شن صراع سياسي وفكري وجماهيري، قوي ومتماسك، وينبغي على المواطنين الأوفياء للديمقراطية أن يستنفروا طاقاتهم ويحتشدوا وينتظموا للتصدي والمقاومة، ومن الضروري أن تنسجم وسائلُ النضال مع مبادئ الديمقراطية وان تكون لاعنفية، كما يريد لها المساومون ذلك، وأن القوانين والحقوق في العراق ومنها قانون الاحوال الشخصية وحقوق المرأة ليست مشروع "فصلية" ولن تكون.
طريق الشعب