نتنياهو بين حكم العدالة وصمت القوى الكبرى
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ما الذي يعنيه إصدار مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، يوم 21 الشهر الجاري، من قبل محكمة الجنايات الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العدوان على غزة؟

هل يمكن اعتبار ذلك بداية تصدع الحصانة، التي طالما تمتّع بها القادة الإسرائيليون أمام العدالة الدولية، بفضل الحماية السياسية التي توفرها لهم امريكا وحليفاتها؟ أم أنه مجرد استجابة قانونية ضمن سياق تحولات أوسع في موازين القوى العالمية؟

قد يبدو هذا الحكم انتصاراً رمزياً للعدالة، كاشفاً عن حجم التناقضات في نظام دولي تُصاغ فيه القوانين وفق موازين القوى وليس وفق القيم. ومع ذلك، يبقى مرهوناً بمدى استعداد النظام الدولي لتنفيذه. فإسرائيل تمثل نموذجاً صارخاً لازدواجية المعايير، حيث يظل العديد من المجرمين الدوليين خارج قبضة القانون بفضل ارتباطهم بمنظومة الهيمنة العالمية. واذا تم تنفيذ هذا الحكم، فسيمثل فرصة للشعوب المضطهدة لإعادة بناء الثقة في العدالة الدولية، كأداة في نضالها ضد الاستغلال والظلم. كما سيؤكد أن كل طاغية، مهما بلغت حصانته، سيقف يوماً أمام محكمة التاريخ. فسقوط نتنياهو المحتمل لا يمثل فقط نهاية حكم ديكتاتور، بل يشير إلى تصدع جدار الهيمنة الطبقية والاستعمارية الذي ظل يحمي هذه الأنظمة لعقود.

ان الجرائم التي يُحاكم نتنياهو على اقترافها، ليست سوى امتداد لتناقضات أعمق. فالعدوان على غزة، والاستيطان المستمر في الضفة الغربية، وحصار القدس، ليست كلها مجرد سياسات عابرة، بل أدوات لتثبيت مشروع استعماري - طبقي قائم على قمع الشعب الفلسطيني واستغلال موارده. ونتنياهو، بمنظومته السياسية، كان ويبقى خادماً لرأس المال العالمي عبر بوابة الاحتلال، معتمداً على الدعم الأمريكي والصمت الأوروبي. وسياساته التي جمعت بين العدوان الخارجي وتصدير الأزمات الداخلية، خدمت الطبقة الأوليغارشية الإسرائيلية المتحالفة مع رأس المال العالمي. وفي المقابل، اعتمد خطابه الشعبوي على تكريس العداء للفلسطينيين، لحرف انظار الطبقات الفقيرة الإسرائيلية عن الأزمات الاقتصادية التي أفرزتها سياساته.

وتفتح محاسبة نتنياهو الباب أمام تساؤل أكبر: هل هي محاكمة لجرائم فردية أم لمنظومة احتلالية واستعمارية بأكملها؟ ان النضال ضد الظلم في فلسطين وحول العالم، يرى في هذا الحكم، إذا تحقق، خطوة رمزية تعيد الأمل للطبقات المسحوقة، وتبعث برسالة مفادها أن العدالة قد تكون ممكنة في مواجهة قوى القمع والنهب. نعم، قد يعتبر البعض الحكم محاولة لتخفيف حدة الغضب الدولي تجاه إسرائيل، لكنه يعكس أيضاً أزمة في قدرة القوى الكبرى على حماية حلفائها التقليديين، في عالم يشهد تغيرات جذرية. فصعود قوى جديدة على الساحة الدولية، وانكشاف الجرائم الإسرائيلية بفضل نضال الشعب الفلسطيني، جعلا التعتيم الإعلامي والسياسي أكثر صعوبة.

وتظل العدالة وإن تأخرت، تحمل وعداً بالخلاص. لكنه وعد لن يتحقق إلا بنضال الشعوب التي تعاني من القهر والاستغلال. ومن هنا، فإن الحكم على نتنياهو يمثل خطوة في رحلة طويلة نحو تحقيق العدالة، رحلة تتطلب منا العمل بلا كلل لتحقيق هذا الهدف، بدلاً من انتظار هبات نظام عالمي يقوم على القمع.

طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  الخميس 28-11-2024     عدد القراء :  123       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced