ذلك التيس الصغير ...
بقلم : خلدون جاويد
العودة الى صفحة المقالات

انتفاخته الأمامية ( كرشه ) هو الحجم الأكبر من جسده المتراخي في ممرات حديقة غناء ! أما شعره الأبيض فهو مهووس كدخيلته...وجهه مخرب بآثار الجدري ..ومع ذلك تلوح على فمه بروق ابتسامة لفرح كامد ! فرح صفقة رابحة.
كنت على مصطبة خضراء ، " ولا أزال عليها وعلى ذات السحابة ! " أضع حقيبتي الصغيرة وقد أخرجت منها كتابا أتصفحه قبل إطلالته البهية ! الأشجار هنا مؤتلقة بأشعة الشمس والأزهار تعج بألوان الحياة المختلفة . والظلال الوارفة والطيور على اختلافها مثل مهرجان . كان يوما مشمسا ، واينما تكون الشمس يكون يوم الفرح . عدا ذلك اليوم المنتكس بنصف رجل بالوني !
أغلب الناس تسير بتراخ واضح ومن ضمنهم هذا التيس الذي تعرفت عليه للتو ـ المكان مدغشقر ـ .
كان اسمه معروفا بل شهيرا الى حدود كبيرة ... وان الجريدة إياها أو المنظمة ( تلك ) قد أسهمت بتاريخها العمالي والنقابي بدعم اسهامات هذا التيس ( الكويتب والأوديب ) لكن العجيب والغريب في وضعه المرتبك أنه مرحب به على مستوى الاعلام والنشر وبذات الوقت فهو من أكثر عناصر النقد بذاءة ! فهو شتام الرؤساء في المنظمة ، سليط اللسان ، محارب مشاكس ، روبن هود سياسي .
بعد عناق صداقي واضح ، وترحيبات جمة ، انتقلنا الى مقهى مفتوحة على رحاب الجنينة هذه ، فجلسنا عند طاولة انيقة وطلبنا قهوتين ...رحت اصغي له ، ويبدو أنه بدء يكتب قصيدة النثر لتوه . كانت قصائده ومداخلاته مثيرة للإعجاب هه هه هه . كان جميلا كأديب هههه هههه وكشاعر بشكل أقل بل اقل بكثير ...كرشه كان غريبا على الشِعر لكنه لكنه متناسق في المداخلات المعوية ، ولذا فهو ناجح في تكرشه الأدبي.... وفي شاعريته المتكرشه فاشل تماما... وذلك لأنه لهّام صحون وشريب وسهير وعهّير ! وقلما يتسم الشعر باللذائذية وصحون التشريب والباجه التي يتغزل بها هذا الفيل الصغير ، مع الدولمة والكبة والبرتبلاو ! .
في منعرجات الحديقة ، وهذه الطقوس الشموسية الدافئة ، كانت الوجوه الانثوية خاصة ، تمر في الشارع المحاذي للمقهى، وتكسب الأرجاء روحا عبقريا وأنينا جواهريا . تناول ( التيس ) بالأحاديث السامة من كان سببا في شهرته فأسقطه أرضاً ، ومن كان معجبا به فمسح به الأرض ، ومن نشر له في العدد الأخير من الجريدة النقابية فهمزه ولغزه بل عضّه ولدغه . !
استحال فمه الخالي من الاسنان الى فوهة مدفع أو منجنيق أيام زمان ...أسوار وحرائق وسلالم لمقاتلين يرومون الطلوع الى القلاع ومعهم الفؤوس تحميهم قذائف النار والصراخ والأناشيد الحماسية . انها حرب طروادة .. كان قذائفيا في تحليقاته صاروخيا في تهجماته سمتيا في صريخه وزعيقه ... يالهي أنقذني من هذا اليم !...ظل يتكلم بلا انقطاع ...وسهوت عنه كان يعوي .... كنت افكر بدفء المكان ، كان يتوعد كنت اتطلع الى حمامة. كان يسئ الى اللغة الشاعرية للقاء ، كنت أتذكر( الاغنية المدرسة) : " شوف الورود واتعلم ..ويه الحبايب تعرف تتكلم " .
قلت بعد طول امتعاض :
-لماذا لا تهجر هؤلاء الناس وتتخذ موقفا يساريا أعني أن تقف على يسار حزبك أو منظمتك ؟ أليس هذا أدعى الى الحقيقة ...الطلاق مع هذه الجهة ضرورة ملحة استنادا الى ملاحظاتك الحارقة ..قدم استقالتك حتى تلفت نظر الناس الى تصحيح الحركة اياها اذا كنت تحبها حقا .
-هذا صحيح ...لكني لا اريد ذلك ..اريد أن أستفيد من الحركة كمؤسسة ! كمؤسسة قادرة على تفعيل نشاطات ! ككيان ملموس مادي فاعل أعمل من خلاله .
- أنت وصولي ..
لم أقل هذه الكلمة ...ابتلعتها ..وبدأت في داخلي اهيئ للنهوض من المكان والانتقام بطريقة اخرى ..وأن يكون هذا هو اللقاء الأخير في حياته معي ! لكني سألته سؤآلا موجعا آخر ، وذلك بعد أن حدثته عن سفر مئآت الإلوف من العراقيين الى العراق لمشاهدة أهليهم على الأقل :
-هل سافرت الى العراق ؟
- لا
الأسباب الداعية الى عدم سفر صديقي الفذ هي رغبته بانتظار تحسن الأوضاع الأمنية وأيضا يجب أن يكون ذلك مقرونا (بالنسبة له ) بدعوة صادرة من وزارة الثقافة وحشد من الجماهير مع باقات ورود في المطار وربما سيارات مارسيدس تقله الى فندق خمس نجوم وبرنامج حافل بالأماسي مع عطايا وهبات ! والمهم مصروف الجيب !.
عند انتهاء اللقاء ، كان هو سعيدا به ..أكد على دعوتي الى رستورانت قريب ..لم أُلبِ له الدعوة . ولو لبيتها لما كنت أختلف عنه في أن أكون مع فلان وأنا أكرهه ..أو أن أكون في حزب ما وأنا الوصولي في عضويته ! أو أن أعيش مع أمرأة وأنا لا أُحبها .لقد قررت أن أكون أنا أُحب عندما أُحب ، وأكره عندما أكره ، وأنتمي عندما أنتمي ..
ذهب لوحده في ممرات الجنينة ..يتراخى وقد راحت مؤخرته مثل بستمات ماكينة سيارة تتشاقل وتتعامد بأورام وشحوم من مكورات ومدورات .
قضيت ذلك النهار وحيدا وأنا أتذكر الشاعر القائل " طاولة موحشة ولاصديق موحش " .
لا لذلك التيس . لا وألف لا لتيوس جديدة تتململ .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 09-03-2010     عدد القراء :  2097       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced