سيدي الشاعر : إنهم يفضلون السماء الغائمة ..!
بقلم : جاسم المطير
العودة الى صفحة المقالات

تحسستُ عميقا مدى جلاء شكوى الشاعر محمد سعيد الصكَار ، المزهر في ما كتب معبرا ًعن قلقه من بطء مسير وخطى بعض القادة الثقافيين المسئولين عن توجيه الدعوات الرسمية لضيوف مهرجان المربد السابع ،  القادمين من خارج العراق.    اكتشفتُ أن هذا البطء يؤدي إلى أمرين محتومين: الأول هو عدم قدرة (الكثير) من المدعوين على تلبية الدعوة لان الفترة المحددة لم تكن معتدلة أمامهم لقطع شوط التهيئة والاستعداد للسفر.

الأمر المحتوم الثاني : هو أن (القليل) من المدعوين سوف يستجيب للمشاركة لكن على حساب مجابهة بينه وبين العديد من التزاماته الصحية والعملية والشخصية والعائلية ، مما يؤدي إلى اضطراره بابتداع قيم  وأعذار سريعة لتحقيق سفره  باحتواء موعد الدعوة وأهدافها ، احتواءً مسالماً ، ليس مفصولا عن ميراث خدمة الوطن والثقافة حتى وان لم يكن  هذا المدعو أو ذاك ــ بسبب العجالة ــ  قادرا على العطاء الكامل داخل المهرجان المزمع عقده يوم 23 – 3 – 2010 .

في حقيقة القول ومآله أن عروق الشاعر الصكار وأعصابه  كانت محترسة جدا رغم انه لهج كلامه النقدي ــ وهو على حق ــ كان بهدوء تام كما هي عاداته في مقالاته عن الشعر والغناء والخط والرسم والكلام  . نــَفــَذ بمقالته في جريدة المدى 14 – 3 – 2010  إلى أغوار نقطة واحدة  فقط من نقاط تتعلق بالمربد إذ صار في مخيلته ــ وهو على صواب أيضا ًــ  أن طبيعة التسرع  في نسيج المهرجانات لا ينتج منها غير القلق والشك ، لا ترسم  لمساتها غير خطوط الضعف والتباين المؤدية بالنتيجة إلى انفصام  بين أهداف المهرجان والقيم التي يمكنه أن يصل إليها . 

أنا شخصيا أشارك الصكار نظرته الواعية لكنني أود الذهاب إلى ابعد من هذه القناعة المشتركة عبر مقالتي هذه في محاولة للتعبير عن الوعي الجماعي المتعلق بمهرجان المربد والقائمين بالوصاية عليه بلا عدالة ولا تضامن ، إذ  أن صاحب الملكية الخاصة لرأسمال مهرجان المربد ــ اعني وزارة الثقافة ــ قد تفرد هذا العام،  أيضا ، تفردا مشوبا بالخطأ ، كعادته  خلال السنوات الست الماضية ، بالتدخل مباشرة في صلب فعالية أدبية – شعرية – ثقافية المفترض أن تكون قائمة على استقلالية المؤسسات الثقافية وعلى المنافسة الحرة بين الأدباء والشعراء وأن يكون دور الوزارة إداريا  ليس غير .

لكن وزارة الثقافة ، كما يظهر ، لا تريد أن يكون لها بديل لرسم خارطة الكون الشعري السنوي في بلاد الرافدين كي تبقي وصايتها ، بعلم ٍ ومعرفة ٍ، أو من دونهما ، على جميع مظاهر القافية الشعرية في قصائد تريدها نصف مؤممة أو حتى مؤممة بالكامل أو تستتبع حصرا لبعض السلطة الدينية في مفهومها العام .

المفروض بوزارة الثقافة أن لا تعتبر مهرجان المربد مؤمما خاضعا لنظامها خضوعا شموليا أو كليا ، كما هو الحال أيام النظام البائد ، تلبية لرغبات مسئوليها الكبار ، بل أن يكون المهرجان محل رعايتها المركزية المسئولة عن تمويل المهرجان وعن لم شمل الشعراء العراقيين في صالة  محترمة يتوفر فيها الكهرباء والماء الصالح للشرب وأن تقوم الوزارة بتوفير فنادق من الدرجة الممتازة ، ليس فيها أي حرمان أو تعسف ، لكي تساهم كل خدمات الوزارة  في تقريب الثقافة من الديمقراطية وتقريب الديمقراطية من الشعر .

أول شيء واكبر شيء موضوع أمام وزارة الثقافة ليس التحكم بالشعر والشعراء ونشاطاتهم خلال المهرجان لتأميمه بصورة مباشرة ، كما كان يفعل نظام صدام حسين الثقافي ، وليس لفرض عشوائية التأميم عليه بنوع احتكاري غير مباشر من الدولة ، بواسطة بعض قادة الوزارة ، بشيء من النظام الرسمي والتوازن الطائفي ، لضمان الرقابة العامة غير المباشرة لكنها المتسلطة ، خاصة إذا ما قامت إجراءات الوزارة مثل السنوات السابقة بتشتيت شمل الشعراء وإبعاد نفوذ وحجم وقرارات الاتحاد العام للأدباء العراقيين في نطاق مركزه العام وفي فرعه  بالبصرة .

المنافسة في الآداب والفنون وكل الثقافات لا تتحقق بقرارات السلطة الرسمية الفوقية  ، وبالتدخل الرسمي المباشر ، وبالتصلب السافر ، بل بالعلاقة الديمقراطية المرنة بين السلطة الثقافية العليا والجماهير الثقافية . هذا ما نشاهده في علاقات الدول المتقدمة ، ومنها هولندا ، حيث التجارب الداخلية والخارجية لعلاقة مؤسساتنا الاجتماعية والثقافية والفنية والسياسية العراقية في لاهاي وأمستردام وجميع المدن الهولندية الكبرى مع الدولة الهولندية تقوم على بقاء هيئاتنا مستقلة تماما ، بنسبة مائة بالمائة . حيث نجد ممارسات مؤسسات الدولة الهولندية تقتصر فقط على تقديم خدمتها المالية واللوجستية والمكانية فقط  . إنها تقدم احترامها التام لفعالياتنا الثقافية ولمهرجاناتنا الأدبية والسينمائية ، التي لا يخلو كثير منها من توجيه النقد إلى مؤسسات هولندية ، من القطاعين العام والخاص ، وهو ما تشجعه وتتيحه السلطة السياسية حيث علاقتها تقوم على مبادئ الديمقراطية واحترام دور المواطن الموهوب في صنع ثقافة المجتمع وإبداعاته .

ترى متى تتوجه وزارة الثقافة العراقية إلى بلوغ العلاقة الديمقراطية مع الموهوبين العراقيين من الشعراء لتقوم بتسليم ( الرأسمال الثقافي ) إلى أصحابه الشرعيين ، اتحاد الكتاب والأدباء في العراق ..؟ متى يتوجب على السلطات في وزارة الثقافة أن تواصل التفكير والعمل في جعل ملكية مهرجان المربد أكثر شيوعا بيد الشعراء أنفسهم ..؟

أقول للأخوة الأعزاء قادة وزارة الثقافة مذكرا إياهم أن الديمقراطية الحق ليست فرض نظام شعري مركزي على الشعراء العراقيين ، ليس فرض بنية فوقية تتحكم بقواعد الشعر والشعراء ، بل أن الجهد الوزاري المطلوب هو تقديم أفضل وأرقى وأسرع الخدمات لضمان ممارسة الشعراء لضروب حريتهم الشعرية والإبداعية كي تغدو الديمقراطية الثقافية العراقية في أمان تام كملكية عامة للشعراء كلهم وللأدباء كلهم وللفنانين كلهم .

سؤال أخير إلى إخوتي الشعراء في مهرجان البصرة  والى نقاد الشعر والى قادة الاتحاد العام للأدباء : متى تصبحون قادرين على إزالة  البؤس كظاهرة اجتماعية مصاحبة لمهرجان المربد المرؤوس كظاهرة ثقافية ..؟

الشكر في الختام للرائد الفتيّ محمد سعيد الصكار فلولا نظرته لتاريخ مهرجان المربد ما مرت مقالتي في هذا الدرب .

  كتب بتأريخ :  الجمعة 19-03-2010     عدد القراء :  2203       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced