ليس بالبرلمان وحده!
بقلم :
العودة الى صفحة المقالات

رضا الظاهر
أولئك المتربصون الشامتون، ممن يتبجحون بأنهم أهل يقظة وهم في نوم أبدي حتى ليحسبهم الرائي من أهل الكهف، يغيظهم نهوض الشيوعيين ونشاطهم المعافي، فيحاولون، في سياق تفكير رغائبي مريض، تشويه الحقيقة وإشاعة الوهم بأن هزيمة ماحقة لحقت بالحزب الشيوعي جراء عدم حصوله على مقعد في البرلمان. ويعرف المنصفون، كلهم، أن مثل هذه الانتكاسة، أو الكبوة إن شئتم الدقة، يمكن أن تحدث في كل حين. ثم أننا لسنا في خشية من مواجهة الواقع وحقائقه، والاعتراف بخسارتنا التي كانت لها أسباب موضوعية فضلاً عن قصورنا الذاتي بالطبع. وحتى لو ارتقت هذه الكبوة الى مستوى هزيمة فلن يكون حرماننا من كرسي في البرلمان المحطة الأخيرة ونهاية المطاف، ذلك أن مسيرنا لن يتوقف مادمنا قادرين على نقد الذات ومراجعة أنفسنا والتقييم الموضوعي المتوازن لتجاربنا واستخلاص الدروس للانطلاق في شوط جديد، وجديد دائماً.
ومن نافل القول إنه إذا ما أُغلِقت أمامنا أبواب البرلمان أو الحكومة، فلا ينبغي لخسران "الكراسي" أن يعوقنا عن خوض التحدي وسط الناس في الشوارع ومواقع العمل والسكن والدراسة وسواها، وهي مواقع تظل مفتوحة أمام مستثمري السخط الطليعيين والساعين الى تبني حقوق ومطامح وآمال الكادحين.
ومن المؤكد أن غيابنا عن البرلمان لا يعني خروجنا من العملية السياسية ولجوءنا الى جزيرة منعزلة وقبولنا بالتهميش السياسي، ذلك أن الكفاح من أجل أهدافنا لا يتوقف عند حدود البرلمان، ولا يشترط أن يكون من داخله، بل إنه أرحب، إذ يجد تعبيره الأعظم في فضاء الناس ووسطهم. وإذا كانت الأيام غائمة، الآن، فان هذه الغيوم ليست أبدية، إذ ستنقشع يوماً ولن يكون هذا اليوم ببعيد. غير أن هذه الغيوم لن تنقشع من تلقاء نفسها، وإنما عبر عملنا الدؤوب وأملنا الوطيد بالغد الذي لابد أن تشرق فيه شمس عدالة حقيقية.
ويعلم كل ذي ضمير حي أننا لو كنا نلهث وراء مقاعد برلمانية لسرنا في طريق كان بالنسبة لنا سالكاً، لكننا تمسكنا بخيار مستقل، وخضنا التحدي وسنواصل خوضه لا يعوقنا أننا خرجنا من تجربة الانتخابات المريرة دون أن نحرز ما نستحق، والأسباب، ذاتيةً وموضوعيةً، باتت واضحة، والتجربة، بأسرها، موضع تقييم من المؤمل أن ينجز خلال فترة قريبة قادمة.
ومادام الوجود في البرلمان أو الغياب عنه يعد مسألة هامة وحساسة، فلابد من الاشارة الى أننا بحاجة متجددة الى إضاءة جوانب من مفهوم العمل داخل البرلمان وخارجه، ورؤية الالتباس المحيط بهذا المفهوم. فنحن لا نبرر خسارتنا بالقول إن العمل من داخل البرلمان ليس ذا شأن، ولكننا لا نرى في وجودنا خارج البرلمان خاتمة لكفاحنا السياسي. أن رؤيتنا لهذه المسألة ليست رؤية ثنائية أو تبسيطية.
وعلى أية حال فانه من المفيد، في هذا السياق، أن نضيء، بايجاز، وبما يتوافق مع واقعنا الملموس، موضوعة عملنا من داخل وخارج البرلمان، ارتباطاً بإرث نعود اليه وينابيع ننهل منها.
ويتعين علينا القول، ابتداءً، أن هناك رؤيتين في ما يتعلق بهذه الموضوعة: الرؤية الاصلاحية التي كان بيرنشتاين وكاوتسكي أبرز ممثليها، والرؤية الثورية التي طرحها ماركس وانجلز وبلورها لينين وروزا لوكسمبورغ.
ويتعين علينا، من بين وثائق أخرى، العودة الى تلك الرسالة النقدية التي كتبها ماركس وانجلز عام 1879الى قيادات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، وقد تساءلا فيها عما إذا كان الحزب قد "أصيب بالأمراض البرلمانية".
وفي المقدمة التي كتبها انجلز عام 1895 لكتاب ماركس (الصراع الطبقي في فرنسا) رأى أنه "في الدعاية الانتخابية تتاح لنا وسيلة فريدة في الارتباط بالجماهير في المناطق التي مازالوا فيها بعيدين عنا، فضلاً عن اضطرار الأحزاب الأخرى أن تدافع عن مواقفها في مواجهة هجومنا أمام الجماهير".
لكن انجلز رأى، أيضاً، أن النجاحات الانتخابية ولدت لدى قيادات الحزب ميلاً للتخلي عن الأهداف البعيدة والاكتفاء بالأهداف المباشرة، وهو ما يعزز الاتجاه الاصلاحي خاصة في حالة الشرائح العليا من النقابيين وبيروقراطيي الحزب وممثلي البرلمان الذي يبدون حرصاً على الدولة أكثر من حزبهم. وفي ألمانيا انتقدت روزا لوكسمبورغ الاتجاه الانتهازي في الحزب الألماني، وكانت واضحة في فهمها لحدود البرلمانية.
وفي غضون ثورة 1905 الروسية كان موقف البلاشفة المقاطعة النشطة للدوما الأولى. ولكن عندما بدأت الموجة الثورية بالتراجع غير لينين موقفه. وكان على لينين خوض معارك ضارية ضد من رأوا أنه "وفقا للماركسية" يجب مقاطعة الدوما بشكل مطلق. وطرح لينين أنه في ظروف متغيرة وغير ثورية تكون المقاطعة بلا معنى. وكان لينين يرى أن المشاركة في البرلمان جزء يسير من نشاط الحزب الثوري، وأنه أقل أهمية من النضال في الشوارع وأماكن العمل.
* * *
عدم حصولنا على "كرسي" لا يبطل صواب سياستنا وصحة توجهاتنا، بل يضعنا أمام حقيقة جديدة من حقائق الواقع، جديرة بالإضاءة وتمثل الدروس والانطلاق صوب أفق جديد.
ليس بالبرلمان وحده يحيا الشيوعي، و"كرسي" البرلمان ليس مصباح علاء الدين!.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 17-05-2010     عدد القراء :  2053       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced