في رسائل ماركس الى كوغلمان (1)
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

تعني عودتنا الى الينابيع، وهي جزء من منهجنا، إعادة القراءة النقدية لفكرنا الماركسي وتطبيقه على اللحظة الحسية والواقع الملموس، بعيداً عن "سرير بروكوست"، الذي يستخدمه "منظّرون" اعتادوا على اطلاق "المحفوظات" وهم جالسون على كرسي "الأستاذية".
ولعل قراء "التأملات" يتذكرون أنني كنت قد حفزتهم، قبل سنوات، على إعادة قراءة مؤلف ماركس الهام الموسوم (الثامن عشر من برومير ـ لويس بونابرت). وقد توفر لي، هذه الأيام، أن أعيد قراءة بعض رسائل ماركس الى كوغلمان، صديق ماركس والاشتراكي الديمقراطي الألماني البارز الذي شارك في ثورة 1848 . ومن هنا تحفيزي القراء على إعادة قراءة هذه الرسائل الهامة، التي كانت قد نشرت للمرة الأولى عام 1902 في مجلة "نويه زايت"، وفي عام 1907 صدرت مترجمة الى الروسية مع مقدمة كتبها لينين.
ولكن دعونا، أولاً، نتعرف، بايجاز، على "سرير بروكوست". فقد روت لنا الأسطورة اليونانية أن بروكوست هذا كان يشن غزواته على المسافرين براً، ثم يقودهم الى خيمة نائية تحتوي سريراً لا يختلف عن الأسرة الأخرى بشيء سوى في استخدامه المثير. فقد كان بروكوست يصر على إخضاع ضحاياه لتجربة غريبة، إذ يمدد الواحد منهم على سريره، فاذا وجد أن طول الضحية أقصر من طول السرير فانه يقوم بشد جسده وتمديده بالأثقال ليصبح بطول السرير. أما إذا تبين له أن جسد الضحية يتجاوز طول السرير فان بروكوست لم يكن ليتردد في بتر الأجزاء الزائدة من رجلي ضحيته، لتكونا بطول السرير !
ولدينا اليوم، كما في كل حين، "أساتذة ماركسيون" يعتبرون مقاييسهم هي الأفضل، بل إنها، وحدها، الكمال بعينه، لاغين كل ما ومن يختلف معهم.
وعلى الرغم من أن كل رسائل ماركس الى كوغلمان تتسم بأهمية بالغة لفهم الماركسية على نحو أعمق، فاننا سنركز على بعض ما يسميه لينين "سياسة ماركس الثورية"، فنقدم عرضاً مكثفاً لموضوعات في هذا الشأن، بالاستناد الى تلك المقدمة الغنية التي كتبها لينين للترجمة الروسية للرسائل.
فمن المعلوم أن ماركس كان قد أبدى حكماً قاطعاً حول ثورة 1848 الألمانية، ثم استنكر، بنفسه، عام 1850، أوهامه التي أبداها عام 1848 حول حدوث ثورة اشتراكية وشيكة. وفي عام 1866 حين أخذ يلاحظ تنامي أزمات سياسية جديدة كتب يقول في رسالة مؤرخة في 6 نيسان من ذلك العام: "هل يدرك أصحابنا التافهون، ضيقو الأفق (المقصود بهم البرجوازيون الليبراليون الألمان) أخيراً أن الأمر سيصل بنا، في آخر المطاف، الى حرب جديدة كحرب الثلاثين سنة، إذا لم تنشب ثورة تطيح بآل هابسبورغ وآل هوهنزوللرن ..."
وبعد ثلاث سنوات (أنظروا الى رسالة ماركس الى كوغلمان بتاريخ 3 آذار 1869) تحدث ماركس بحماسة حقيقية عن أن "الباريسيين أخذوا، حقاً وصدقاً، يدرسون ماضيهم الثوري القريب العهد استعداداً للنضال الثوري الجديد الذي يقترب". وبعد أن وصف ماركس النضال الطبقي، كما يبينه هذا التحليل للماضي، استنتج قائلاً: "هكذا تغلي قدر التاريخ الساحر، فمتى نبلغ الحال عندنا (في ألمانيا)".
وهذا، كما يؤكد لينين في المقدمة، "ما ينبغي أن يتعلمه من ماركس أولئك الماركسيون المثقفون الروس، الذين أوهنهم الارتياب، وصيّرهم الادعاء بالعلم والمعرفة بلداء بلهاء، والذين يميلون الى خطب الندامة، ويتعبون من الثورة ويحلمون بجنازتها، كما يحلمون بعيد من الأعياد، مستعيضين عنها بنثر دستوري. ينبغي عليهم أن يتعلموا من نظري البروليتاريا وزعيمها الايمان بالثورة، والطريقة التي ينبغي بها دعوة الطبقة العاملة الى الدفاع حتى النهاية عن مهماتها الثورية المباشرة، والصلابة الروحية التي لا ترضى بنحيب الوجل عندما تمنى الثورة بهزائم مؤقتة".
وفي أهدأ المراحل، وكما يبدو، في أكثرها "عذوبة وسذاجة"، حسب تعبير ماركس، في مراحل "الركود الكئيب"، كان ماركس يعرف كيف يشعر باقتراب الثورة وكيف يرفع البروليتاريا حتى تدرك مهماتها الطليعية.
أما "أولئك المثقفون التافهون، ضيقو الأفق، الذين يسعون الى تبسيط ماركس فيعلّمون البروليتاريا، في أكثر المراحل ثورية، سياسة الجمود، يعلمونها أن تتبع "التيار" بوضاعة، أن تساند بوجل أكثر العناصر تذبذباً في الحزب الليبرالي الذي هو على الموضة !"، حسب قول لينين.
* * *
ذلك الحكم الذي أبداه ماركس بصدد كومونة باريس هو تتويج لكل مراسلاته مع كوغلمان. وهو حكم ثمين، على نحو خاص، إذا ما قورن بأساليب الجناح اليميني من الاشتراكيين الديمقراطيين الروس، الذين هتفوا بخشية بعد كانون الأول 1905: "لم يكن ينبغي حمل السلاح"، ورأوا أن ماركس أعاق الثورة في عام 1870.
ما من منصف لا يقدر موقف ماركس المدهش من كومونة باريس وتقييمه اللاحق لها، وهو ما سنعرض له، بتكثيف، في التأملات المقبلة، في مسعى للاستفادة، من بين أمور أخرى، من منهجية التقييم وخبرة المواقف الواقعية، حيث قولة ماركس الشهيرة: "أية مرونة، أية مبادرة تاريخية، أية مقدرة على التضحية عند هؤلاء الباريسيين ... إن التاريخ لم يعرف، حتى الآن، مثالاً على بطولة كهذه ...".

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 25-05-2010     عدد القراء :  2201       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced