فنانات عراقيات تحت شمس الانترنت ..
بقلم :
العودة الى صفحة المقالات

خلال فترة قصيرة جدا ، صباح اليوم ،  أتاح لي موقع (يو تيوب) مشاهدة عدد غير قليل من اللوحات الفنية لمجموعة رائعة من الرسامات العراقيات المستغرقات في مهمة تطوير الفن العراقي داخل سياق التاريخ الفني الذي يريد تأكيد فيض جزئه الإنساني في ظل ظروف غير طبيعية داخل المجتمع العراقي غير الآمن على استقراره  . الفنانات المعنيات ، هنا ،  هن : وداد الاورفه لي ، رؤيا رءوف ، بتول الفكيكي ، صبا مجيد ، عفيفة لعيبي ، ليلى كبة ، نادية محمد ، وسماء الاغا ، يقين الدليمي ، سعاد العطار ، ابتهال توفيق ، بثينة عبد الرحيم .

كان العرض على شاشة (يوتيوب) مثيرا للاهتمام ، حقا ، فقد استطاع  منظم العرض بشار حسام أن يقدم خلال اقل من سبع دقائق تجميعا لمادة فنية مفيدة ، متضامنة  ، معلنة لنا ، نحن المشاهدين ، أن حالة الفن التشكيلي العراقي بخير وأن الفنانات العراقيات ، بالذات ، يواصلن ، رغم القهر والإرهاب ، أسطورة العمل الفني وتحدي كل محاولات استعباد الفن أو استبعاده عن الحياة . لقد أحسست أن هذا العرض المتواضع لم يضل السبيل المتاح  أمامه ، واضعا لوحات فنانات عراقيات ممن يتمتعن برموز فنية دالة في التاريخ الفني العراقي الحديث  أمام المشاهدين ، ليفرض عليهم ، بطريقة خاصة مميزة مصحوبة بأغنية عراقية تراثية ،    رؤية وجود شكل من أشكال العلاقة بين المواطن العراقي داخل الوطن وخارجه وبين الفن العراقي متمثلا بدزينة كاملة من أسماء فنانات  تشكيليات عراقيات .

أول شيء استطيع قوله ، هنا ، أن واحدة ًمن تكنولوجيا ثقافة القرن الحادي والعشرين (الانترنت) انتصرت بنجاح ساحق على (الحرب الساخنة) القائمة بين الفن والإرهاب في بلاد ما بين النهرين ، وعلى (الحرب الباردة)  القائمة بين الفنانين ووزارة الثقافة ، قد تحدت الظروف الصعبة لمتطلبات مشاهدة أي معرض تشكيلي في بغداد  حيث الحركة ليست متوفرة للجميع وليست يسيرة في كل وقت  في ظروف شوارع بغداد المليئة بالقتلة من مختلف الأنواع والانتماءات .  خلال هذه الفترة  كان معرض موقع يو تيوب ابتكارا جميلا  رغم انه  ليس بديلا عن المعارض التقليدية . 

المشكلة التي اعنيها ، اليوم ، بعد مشاهدة فنية عبر الانترنت ، هي المعايشة بين الفنان التشكيلي والتاريخ العراقي ، وهي معايشة  تخلو من مظاهر الغموض والغربة والمأساة سواء كانت الفنانة التشكيلية  المعروضة أعمالها ، بحركة سريعة ، على شاشة (يوتيوب) مقيمة داخل الوطن أو خارجه . 

تفيدني ، هنا ، كلمة (تراجيديا)  وأنا أتتبع لوحات الفنانات العراقيات المشار إليهن في مقدمة مقالتي إذ هن ، جميعا ، يمثلن قوة فنية عراقية كبرى ، تحاول بكل الوسائل والسبل تطوير إمكانيات الحدث الفني ، وتطوير الاستجابة لها ، بوسائل إقامة المعارض الشخصية ، داخل العراق وخارجه ، بعد أن فصلت وزارة الثقافة العراقية نفسها ودورها عن رعاية نشاطات الفنانات التشكيليات العراقيات ولا أريد ، هنا ، اتهام الوزارة وكادرها بسوء القصد العقيم والأنانية ، لكنني أقول أن وزارة الثقافة العراقية لا تملك أية أسباب عقلانية لتبرير انفصالها العام ، عن الثقافة والمثقفين عموما ، وعن الفن والفنانين خصوصا . مع الأسف أن الوزارة لم تعد ملتزمة بنطاق إسناد أو دعم مشاريع الدلالة العميقة في الفنون والآداب . حتى أنها أقدمت أخيرا على (خيار مستحيل) مثير للجدل الكئيب حين أعلنت عن تخليها ، في منتصف الشهر الماضي ،  في رعاية مهرجان البصرة السنوي (المربد) مستندة في هذا (التخلي) على حقائق مبتورة لتخفي وراءها جميع أخطاء كادرها المكتبي . ظلت الوزارة خلال أربعة أعوام  لا تثير في أعماق العراقيين غير الشعور بالألم ولا أقول عن إحساس المثقفين العراقيين  بخيانة الوزارة لوظيفتها .

من يدري ربما يحتاج مهرجان  البصرة (المربد) أو غيره من مهرجانات عراقية شعرية وفنية  أخرى في المستقبل  إلى ( الانترنت ) والى موقع (اليو تيوب) بالذات إذا ما ظلت وزارة الثقافة العراقية تستهين بالثقافة العراقية وإذا ما أبقت نفسها ودورها على حال القطيعة الحالية بالمثقفين والأدباء والفنانين .

ها انذا أرى ، في محاولة العرض الفني البسيط والمتواضع لمجموعة فضيلة من الموهوبات العراقيات ، منطلقا متوازيا لجعل مشاهدي شاشة الانترنت يمضون وقتا جميلا مع برنامج من هذا النوع أسسه السيد بشار  حسام ، وهو شخص لم أتعرف عليه وعلى نماذج أفكاره ونشاطاته وتطلعاته ،  ولا اعرف مدى صلة سيرته الذاتية بالفن التشكيلي أو الانترنت ، لكن  جهده الكبير  في توفير مادة فنية ميسورة يعتبر استكشافا فنيا في فترة (الحرب الباردة) بين الفن ووزارة الثقافة وهو جهد يستحق الثناء.

كم كنت أتمنى أن يكون هذا العرض الانترنيتي المفيد جدا لعراقيي الغربة في الخارج ولعراقيي الاغتراب في الداخل بصورة أوسع واشمل وأكثر تنوعا . لقد داهمني شعور تراجيدي  ، حقا ، حين شاهدت كثرة اللوحات المعروضة وهي تقدم للمشاهدين لوحات مصبوغة بالحزن النسائي وبانهمار الدموع  من عيون بعضهن ، لأسباب  موضوعية دون شك ،  فالمرأة العراقية عموما والفنانة خصوصا ، كابدت في بلاد الرافدين ولا زالت تكابد من الخصومة المزاجية التاريخية بينها والمجتمع ، بينها والسلطة ،  بينها وبعض التقاليد البالية ، لكنني واثق أن الفنانات التشكيليات العراقيات ، كلهن ، اثبتن بصورة مذهلة خلال العقود الخمس الماضية أنهن قوة ذات قيمة حقيقية كبرى يمكنها أن تصنع مواقف ومساهمات قادرة على إحداث التغيير الكبير في سطح مجتمعنا و في أعماقه .

ترى هل نشاهد نهجا أعمق في ميادين الانترنت الواسعة ومنها (اليو تيوب) في المستقبل  لعروض فنية عراقية أوسع وأعمق وأغنى وأن ننعم ، نحن عراقيي الغربة ،  بصداقة كبيرة مع فن الزمن الصعب ..؟

  كتب بتأريخ :  الجمعة 28-05-2010     عدد القراء :  3360       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced