ومازال الغناء العراقي دمويا
بقلم : بلقيس حميد حسن
العودة الى صفحة المقالات

منذ عقود والعراق يعاني من الاضطرابات السياسية التي تجر كل انواع الاقتتال والمآسي والدمار. ومنذ عقود والأناشيد الوطنية العراقية تمتليء بالدماء , حتى بعد ان تخلص العراق من أعتى طاغية في تاريخه, الا وهو المقبور صدام حسين الذي أذاق الشعب ويلات الحروب والمقابر الجماعية, ومارس معه شتى انواع الابادة البشرية, ومازالت الاناشيد العراقية تغرق بالدماء.
قبل ايام شاهدت في قناة العراقية نشيدا او اغنية وطنية - كما تـُسمى- لمطرب عراقي معروف قد احببنا اغانيه القديمة كثيرا, وهو الفنان صلاح عبد الصبور, للأسف, شاهدناه يتغنى بكلمات غاية في الدموية, حيث يهتف متحديا بجعل دجلة غارقا بالدم في سبيل الوطن, وبأن كل الجروح فداء للوطن, ولايهم ان سال دم الجميع في سبيل الوطن..
عجبت مما سمعت..
أما زالت ثقافة قبول الموت الجماعي هي السائدة في العراق؟
أما زال موت الانسان عاديا في سبيل تحقيق غاية مهما كانت؟
اما زالت قيمة الانسان رخيصة بعد كل ما أعطى الشعب من تضحيات؟ فأين من يهتم بحقوق الانسان اذن؟
اين وزارة حقوق الانسان التي من واجبها تثقيف الناس بأهمية حياتهم وافضلية الحياة على الموت؟
ماذا يريدون من شعب تمتليء بيوته وحيطانه بصور الشهداء, وماذا يريدون من شعب اتشحت اغلب نساءه بالسواد والبؤس والقهر ورائحة المقابر؟
أبعد كل هذه الدمار وهناك من يتغنى بالدماء دون ان ينفر من هذه الكلمات؟
ابعد كل التضحيات, والخرائب, والموت المرعب الذي لم يمر على شعب بالتاريخ, مازلنا نتوعد بالمجازر باسم الوطن وباسم التضحيات؟
أية تربية وطنية هذه التي تتعكز وتبنى على الدم وعدم الاكتراث للحياة البشرية المقدسة في كل الاديان, وأي منظر منفر نعطيه للأطفال عندما نجعل صورة نهر دجلة وهو مليء بالدم أمراَ طبيعيا ومقبولا لديهم وباسم الوطن تتكرر الصورة امامهم باستمرار؟
اهكذا تكون الوطنية ؟ ام أن الوطنية تبنى على المحبة, والتسامح, وقبول الآخر, ولئم الجروح, والحث على بناء ماتهدم؟
هل استمر العراقيون بذات الاسلوب الذي اشاعه البعث الدموي وكان يفتخر به, ترهيبا للناس بهدف نشر الرعب والخوف لتحقيق المآرب القبيلة والعائلة التي حكمت العراق بالحديد والنار؟
أوجه اللوم هنا لقناة العراقية, لانها القناة الرسمية التي تعبر عن الصوت الرسمي للحكومة, والمفترض انها تعبر عن الشعب, فلماذا لا تنتبه لخطر اشاعة الكلمات والعبارات العنيفة والدموية والعراق لازال يخوض ببحار الدماء يوميا؟ لماذا لم ينتبه تربوي او مثقف في هذه القناة لهذا الأمر؟
هل ان هذا الاسلوب الدموي قدر العراقيين في كل مجالات الحياة؟ وهل عليهم الاعتياد عليه ابدا؟
لقد رضينا ان تكون اللغة العربية في الفضائيات العربية وخاصة العراقية مضحكة جدا بسبب عدم كفاءة أغلب العاملين, ولأن شروط تعيينهم ليس لها علاقة بالكفاءة والثقافة والقدرات اللغوية, لذلك نجد أن المذيعين ومقدمي البرامج والمراسلين يذكروننا" بآتتي مشناف" في المسلسل العراقي"تحت موس الحلاق" وقراءة الرساله التي اشتهرت على يد الفنان المرحوم سليم البصري والفنان حمودي الحارثي, لكن ان نستمر بقبول كلمات الدم المرعبة على الشاشات بعد كل مامر بنا من موت, لهو أمرٌ غاية في الغرابة وهو أمرٌ مشيعٌ للاحباط , بل هو أمرٌ يستحق المتابعة والتدقيق

هل استطاع الاعلام العربي التأثير على الغرب؟
سألتني جهة اعلامية عربية  حول رأيي في الفضائيات العربية وهل استطاعت ايصال صوت الانسان العربي الى الغرب؟ فأجبت على السؤال, لكنها لم تنشر إجابتي, ربما كانت هذه الجهة راغبة بسماع كلمات مديح او ثناء للفضائيات العربية, وها انا اقول رأيي بصراحة.
لم تستطع الفضائيات العربية حتى الان ان تقنع احدا, فلا المشاهد العربي الواعي مقتنع بما تقدمه الفضائيات العربية بخصوص قضاياه الكثيرة والمتشعبة, ولا هي اوصلت صوت الفقراء والمهمشين والمقهورين والمستعبدين " بفتح الباء" الى العالم. ففي كل الحالات كان الاعلام العربي  رديئا وغير قادرا على اعطاء صورة حقيقية صارخة عن الانسان  العربي ان كان  مقهورا من حكوماته  واجهزتها القمعية ام من المليشيات والعصابات المتنوعة الوجود والاسباب, ام مقهورا من دولة محتلة او مسيطرة تحت اي مسمى, ام مقهورا تحت ظل التقاليد والاعراف والمفاهيم الموروثة المتخلفة والتي لاتتناسب مع التطور الكوني الذي يسحق بطريقه كل متخلف عن الركب..
هل انني  أطلب  ماهو غير منطقي؟
نعم, قد يكون طلبي لامنطقيا, فالاعلام العربي المتمثل بالفضائيات خاصة, هو أما ملك شخصي لصاحب مال يصطاد فرائسه حسب هواه من الاعلاميات لا على اساس الكفاءة والقدرة على العطاء, انما على اساس القبول بشروطه التي ليس لها اية علاقة بالاعلام. او هي مملوكة لحكومة ديكتاتورية تتكون على اساس ديني وعقائدي  وعشائري لايقبل الحوار ولايقبل الرأي الاخر, هدفها الاول التمجيد بقادتها وعائلاتهم العريقة, المناضلة, الشجاعة, الكريمة, الذكية, والفاضلة التي تعود انسابها غالبا للنبي والائمة الكرام. او هي ملك لحزب او منظمة لا يعلم احد من أين جاءت بالمال ومن هو ممولها, ولم يسألها أحد من أين لكم هذه الملايين التي استثمرتموها بفتح محطة فضائية مثلا وقد كنتم حفاة.
من المنطقي ان يكون لنا اعلام غير مقنع, اذ مازال اكثريتنا نحن العرب  تفتخر ببطولات  واخلاق وتقاليد القرون الوسطى. كما ان اكثرية مجتمعاتنا المبرقعة من الخارج والمتفسخة من الداخل لاتقرأ ولا تكتب وان قرأت فلا تتجاوز قراءاتها حدود القديم المهتريء وغير الناجع لمصائبنا الحالية, غير باحثة ومتمردة على الواقع الاليم وغير مهتمة  بفلسفة الشك والمقارنة وفتح افاق الذهن نحو عوالم اخرى تطل على العقل العربي المستمريء ركوده عند القرون الوسطى..
ثم كيف نريد ان يتأثر العالم بنا وان مانطرحه لازال مضحكا وكاريكاتيريا امام الحضارة الاخرى الحديثة, فبرامجنا تثير السخرية, وقوانيننا لازالت بحدود وممنوعات وعقوبات تجاوزتها كرامة البشر. لازلنا نجلد النساء ونتدخل بلباسهن, ونقطع رؤوسهن ان اقتضى الامر. لازالت عقول غالبية الاعلاميين تؤمن بالموت والشهادة والانتحار وتعتبره بطولة, ولازال دفاعنا عن قضايانا في الاعلام  متخلفا. لازالت برامجنا منهمكة بمناقشة طريقة الوضوء والتيمم وغسل اليدين سبع مرات, ولازال الناس يتصلون  بالإمام على الشاشات ليحدد لهم النجاسة والنظافة ومشاكل قطرات الدم  أيام الحيض والحلال والحرام في الجنس وما الى ذلك من امور تجاوزها الزمن مما جعل سوانا من الأمم يرانا بمصاف المعتوهين. فكيف سيتأثر العاقل بالمجنون؟
كيف ستؤثر الفضائيات العربية بالغرب ان كانت هي ذاتها غير مقنعة لأغلب العاملين بها, فقد التقيت بعشرات الاعلاميين من العاملين بالفضائيات العربية الذين يسخرون من اعمالهم ويجيبون علينا بان لقمة العيش تتطلب الاستمرار في عمل غير مقنع, لكنها الحاجة التي تدفعهم للعمل بها, وان المتتبع للفضائيات العربية يلمس وبشكل فاضح كثرة الذين يعملون به بلا كفاءة ولاخبرة وبذات الوقت هناك طاقات اعلامية كبيرة مهمشة ومبعدة عن الاعلام العربي اما بسبب صراحتهم وصدقهم او لأسباب المحسوبيات والواسطات والمحاصصات وما الى ذلك.
من المنطق ان لاننتظر نجاح الاعلام العربي كثيرا, لانه نتاج مجتمع  خائف من كل شيء, كما ان العاملين فيه اغلبهم من الذين يجبرون على الركوع والخضوع للسلاطين والرؤساء او لجهات غير معلومة يشوب اهدافها الغموض والسرية, والا ماكان سيسمح لهم بالعمل الاعلامي والاستمرار فيه, رجال خائفون من مئات الجهات المتلصصة على حياتهم.
من هنا نعود الى الاستنتاج الأهم والذي أثبتته كل تجارب الشعوب وهو اننا لو وضعنا الانسان المناسب في المكان المناسب قد نستطيع ايصال صوتنا للعالم, اما ان يكون الفضاء للاغنياء ومريديهم من غير اصحاب الكفاءات, او ممن كان مسحوقا وفجأة باع نفسه لمالكي المال فاختلـّت عنده القيم التي لم تكن قد ترسخت في روحه اصلا حين باع نفسه, فلا أمل لنا بنجاحه حتما. وبالتالي لا امل لنا في معرفة العالم بما يصيبنا.
وان قال قائل ان الاعلام العربي قد اوصل صوت العرب في بعض قضاياهم, أجيبه بأن الفضل ليس للفضائيات والاعلام, انما للجالية العربية في الخارج والتي استطاعت ان تضع نقاطا هامة امام المهتمين في حقوق الانسان بالعالم..

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 03-08-2010     عدد القراء :  2142       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced