طفح الكيل ..ألا يستحون!؟
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

لم يكن من غير المتوقع أن يبتعد سياسيون متنفذون عن سبيل الحكمة والنضج واحترام إرادة الشعب ليظلوا لاهثين وراء كراسي النفوذ والامتيازات. ويتوهم من يظن أن الحكام "الجدد" سيكونون مختلفين مادام اختيارهم جاء على أساس طائفي وإثني، وماداموا غير مستعدين للتنازل عن مصالحهم الضيقة، وماداموا متمسكين بنهج المحاصصات الذي ابتكره لهم "المحررون".

ووسط احتدام الصراع بين المتنفذين وتشبث هذه الكتلة أو تلك أو هذا "الزعيم" أو ذاك بالمغانم ينحدر الوضع في بلادنا جراء هذا النهج، وهو سبب التأخير في تشكيل الحكومة، الى مزيد من التعقيد، متجلياً في تدهور الأمن واستمرار معاناة الملايين وتصاعد التدخل الخارجي.

ويبدو كأن "المقررين" يصعدون على مسرح ليؤدوا أدواراً تشبه، يا للأسى، أدوار مهرجين. وهي، على أية حال، أدوار لا تبغي، على عادة المهرجين المألوفين، إضحاك الجمهور والتنفيس عن كربته، وانما إخراجه من المسرح مليئاً بالحيرة والاحباط والندم على منحه الأصوات لمن يتخلون عن الوعود. وتتحول المسرحية، وسط غياب مصداقية الممثلين، الى مجرد ضحك على الذقون.

ومن ناحية أخرى لا يندر أن تواجهنا فوضى التصريحات المتناقضة حتى داخل الائتلاف أو الكتلة الواحدة. وربما فسر البعض الحال باعتباره توزيع أدوار، غير أن المسألة ليست، في غالب الظن، على هذا النحو، انما هي انعكاس لثقافة الفوضى السياسية، وهي جزء من ثقافة تخلف تهيمن على المشهد الاجتماعي. وفي سياق هذه الثقافة، التي يشكل ارتداء الأقنعة جزءاً منها، لا نستغرب إذا ما شاهدنا هذا "الزعيم" يستقبل "الآخر" بالأحضان وسط ابتسامات عريضة أمام الأضواء، وهو في داخله مرتاب به، بل إن الارتياب متبادل بين الطرفين. ولم يعد من غير المألوف أن يسلك "الزعماء" سبيل إغاضة الحليف المفترض بمغازلة الخصم، بينما يطلق الناطقون باسم "الزعماء" تصريحاتهم المغرضة التي توهم، من بين أمور أخرى، بأن اللقاءات "مثمرة"، أو أنها أذابت الجليد بين الطرفين في الأقل. ويعلم الجميع أن لا ذوبان ولا هم يحزنون. فالأمر كله مرهون ببراعة ممارسة أكبر قدر من الضغوط للحصول على أكبر قدر من المكاسب وإرغام الطرف الآخر على تقديم تنازلات وسط لعبة المساومات السياسية.

والحق أن سلوك السياسيين المتنفذين يفضح نمط تفكيرهم وممارساتهم المرتبطة بـ "انتصار" المشروع الطائفي، واستثماره وسيلة للصراع حتى داخل الكتلة الطائفية الواحدة، الى حد التهديد بالطلاق، وهو عند الله أبغض الحلال !

وفي غضون ذلك تشتد الأزمة السياسية والاجتماعية، وتتعاظم معاناة الملايين على مختلف الصعد، وهي معاناة ينشغل عنها المتنفذون بصراعاتهم. ويتفاقم يأس الناس من وعود أولئك الذين منحوهم الأصوات بأمل إنقاذهم مما يكابدون. غير أنه على الرغم من أن هؤلاء "الزعماء" خيبوا آمال الملايين، وهو أمر لم يعد يبعث على الاستغراب، فان اليأس منهم لا يعني، بالضرورة، الاستسلام لمآربهم. فقد راحت أصوات الاحتجاج تتعالى ضد التأخر في تشكيل الحكومة وعواقبه الوخيمة على الصعد السياسية والأمنية والاجتماعية، مثلما تتعالى ضد غياب الخدمات الأساسية، وانتهاك الحق في التنظيم النقابي، وسوى ذلك من ألوان المعاناة المريرة.

وراح المحتجون، الذين يتزايدون عدداً وإصراراً ووعياً، يتساءلون عن حق: أبوسع مثل هؤلاء الحكام المتشبثين بسلطة الامتيازات ونهج المحاصصات إنقاذ البلاد من أزمتها، ووضعها على طريق التطور الاجتماعي المفضي الى دولة القانون والعدالة ؟ والحق إن أسئلة السخط هذه تضيف جديداً الى التراكم المعرفي الضروري لتغيير الثقافة السائدة، وهو تغيير لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، كما أثبت تجربة الديمقراطيات العريقة التي لم تترسخ فيها الثقافة الجديدة الا عبر تاريخ مديد. هل يتعين علينا أن ننتظر مثل هذا التاريخ ؟ الأمر ليس على هذا النحو ولا بهذا التبسيط، ذلك أن المسألة الحاسمة هي أن تتشكل حركة شعبية قادرة على فرض إرادتها على الحكام وإرغامهم على التخلي عن نهج المحاصصات والمكاسب الضيقة، وتجسيد الروح الوطنية الحقيقية على النحو الذي يخلق مناخات وشروطاً جديدة تسهم في وضع أسس الثقافة الديمقراطية.

غير أنه مما يثير السخط، أيضاً، أن قادة سياسيين لا يتورعون عن جعل بلادنا رهينة لقوى إقليمية تكبلها بأغلال مصالحها، فضلاً عن الخنوع للتدخل الخارجي و"التدويل" الذي ينتهك السيادة الوطنية ويضع البلاد أمام ما لا تحمد عقباه.

* * *

هؤلاء السياسيون "المقررون"، المتجاوزون على إرادة الملايين، مولعون بعرض مسرحياتهم دون حرج مما يخزي ويحبط..

يأوي المتشبثون بكراسي الامتيازات الى فرشهم تلاحقهم الكوابيس، وقد ابتلاهم الله بنقمة اللهاث وراء المال والجاه.. أما نحن الفقراء المساكين فقد منحنا رب العباد نعمة العجز عن مثل هذه الأحلام..

أي حكام هؤلاء!؟ كل هذه الآلام يستهينون بها! لقد طفح الكيل، ألا يستحون!

نحن في مواجهة مأساة حقيقية، وما من سبيل أمامنا سوى الأمل وخوض التحدي في دروب كفاح شاقة، فهذا هو شأن كل المكافحين الطامحين الى التغيير والسائرين نحو ضفاف العدالة والنور..

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 10-08-2010     عدد القراء :  2006       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced