العلمانية والعولمة
بقلم : المحامي يوسف علي خان
العودة الى صفحة المقالات

بين العلمانية والعولمة طريق شائك فقد يخلط العديد من الناس بين هذين المصطلحين فيعتبر العلمانية وليدة العولمة ويعتبر غيرهم العولمة وليدة العلمانية وان كل علماني مؤيد لظاهرة العولمة التي تبنتها الولايات المتحدة الامريكية واحتكرتها لمصلحتها 00 والحقيقة ان العلمانية فكر ومعتقد ومبدأ بينما العولمة ظاهرة عالمية ولدت مع التطور الهائل لوسائل الاتصالات والنقل من طائرات وسيارات وقطارات قربت المسافات و اختراع شبكة الاتصالات واطلاق الاقمار الصناعية الى الفضاء في النصف اللثاني من القرن الماضي 00 والمفروض ان تكون تحت اشراف دولي عالمي مشترك لكونها تهم البشرية جمعاء وترتبط بحياتها بشكل مباشر 00 دون ان تحتكرها جهة واحدة وتسيطر على قمة الهرم فيها وتهيمن على جميع نشاطاتها بما يدور بفلكها ويخضع لنطاق رقابتها عليها محاولة جعل الانسانية كلها اسيرة اشرافها لتواجد مراكز انطلاقها من داخلها 00 وكان لاحتواء جميع اجهزتها التي رسخت هذه الظاهرة وهو الانترنت بيدها ما يمكنها من كشف كل صغيرة وكبيرة تنطلق من أي مكان في العالم مهما كانت هذه الجهة رسمية او اهلية فتكتشف مايدور بين هذه الاوساط عن طريق وسائل الانصات التي بامكانها ان تكشف الاحاديث والمخططات والمعارف وكل ما تريد ان تعرفه في أي بقعة من هذا العالم الفسيح 00 اما العلمانية فهي عقيدة عالمية شاملة انبثقت مع بداية النهضة الاوربية والثورة الصناعية الحديثة التي تمكنت من فك عرى الارتباط الذي استمر لااكثر من اربعة الاف سنة الذي كان للشرائع السمااوية المنظم الوحيد لحياة الشعوب عدا ما اصدره حمورابي من لائحته المشهورة التي نظمت بعض الامور من حياة رعيته ولكنه لم يتخلى عن ما كان سائدا من معتقدات سماوية كانت تحكمها اله عدة كل له اختصاصه في التأثير على البشر اذ استمر الحال حتى ظهور المسيحية التي دعى فيها المسيح لوحدانية الاله فاقتصر التشريع على الانجيل مع تعدد نسخه حيث احتكرت الكنائس تنظيم حياة البشر بالمعتقدات الروحانية التي غيبت كل ما عداها مع التشريعات الوضعية وحرمت اصدارها خارج نطاق الكنائس 00 حيث استمر الحال دهور وقرون حتى قيام النهضة الحديثة  حيث استطاعت الشعوب الاوربية ان تحتكم الى القوانين الوضعية التي تشرعها البرلمانات وانتهى عهد سيطرة الكنائس 00 وتم فصل الدين عن الدولة واعتبر التدين صلة الفرد بربه وهي صلة روحانية شخصية خاصة اما تعاملاته داخل مجتمعه فتحكمها القوانين الوضعية كما قلنا وهذ اهو اقرب تعريف للعلمانية وتمسك الملايين من البشر بها في الوقت الحاضر كما تبنتها بعض المنظمات السياسية باسماء مختلفة فالاشتراكية والشيوعية والديمقراطية مصطلحات مرادفة للعلمانية او على الاقل قريبة منها في العديد من مفاهيمها فالشيوعية في جانب منها الحادي ولكن له جوانب علمانية تتساير والمفاهيم العلمانية بينما الاشتراكية فقد تكون توحيدية تؤمن بالروحانيات مع ايمانها بالعلمانية وتمسكها بها كذلك المباديء الديمقراطية فهي لاترفض الاديان لكنها تؤمن بنفس الوقت بالعلمانية ايضا فكوتو وهيجل ومونتسكيو وماركس وانجلس تطرقوا في الكثير من ابحاثهم الى العلمانية من خلال افكارهم او مبادئهم التي نشروها حول اللاهوت  في بدايات القرون الثلاثة التي مرت ولكن مع كل ما طرح فان الاديان اضافة لكونها ضرورات سماوية لاهوتية فهي ضرورات اجتماعية كابحة ورادعة للعديد من التصرفات التي لولا الاديان لعمت الفوضى مع كل ما هو موجود من القوانين الوضعية ولكنها للاسف سيف ذوحدين 00والعولمة ظاهرة حديثة ظهرت مع تقدم وسائل النقل السريعة كما اسلفنا كالطائرات التي قصرت المسافات وجعلتها بالساعات وليس بالايام او بالاشهر وسهلت الانتقال بوسائل مريحة دون عناء او مشقة  كما انها انتشرت بشكل واسع بعد ظهور شبكة الانترنت واطلق عليها حينذاك بالعولمة 00 بيد ان العلمانية فكر فلسفي ظهر قبل ثلاثة قرون تقريبا وقبل ان تتقارب الشعوب مع بعضها 0 وقد برزت بصور واشكال فلسفية مختلفة ولربما يمكن حصرها جميعا باتجاهات فكرية ثلاثة هي الشيوعية وهو فكر اقتصادي مادي الحادي يلغي وجود الدين ولا يؤمن بوجود الاله وقد تبنى هذا الفكر ماركس وجماعته وثانيهما هوالفكر الوجودي الذي تزعمه سارتر وصديقته سيمون دو بوفوار  وهو فكر اباحي يؤمن بالتحرر المطلق وقد بدأ انتشاره في اوربا على نطاق ضيق من خلال نوادي العراة ثم توسع ليشمل معظم الحياة الاوربية تقريبا اما الفكر الثالث فهو الفكر الديمقراطي  الذي لايتعرض للاديان ولكنه يتجه بشكل قوي لفصل الدين عن الدولة ويعتبر العبادات امور شخصية تخص الانسان بربه او خالقه لايجوز حشرها في التشريعات الوضعية وهذا الاتجاه هو ما يتمسك به معظم العلمانيون خاصة في البلدان العربية او الاسلامية تخلصا من الحرج 00  ولو تحرينا عن فرص نجاح كل فكر من هذه الافكار لوجدنا بان النظرية الشيوعية قد انهارت فقد ثبت فشلها عمليا لاعتمادها على مباديء وقواعد واساليب مستحيلة التطبيق على ارض الواقع 00 فقد اقرت هذه المباديء مثلا على ان يحصل كل فرد على قدر ما يحتاجه 00 وهنا من هي الجهة التي تحدد احتياجات الفرد وهل هو الفرد الذي يقدر حجم احتياجاته ونحن نعلم الطبيعة البشرية التي لاتقتنع بحد معين وهي تطمح بالاكثر والاكثر لاشعوريا فغريزة الطمع لاحدود لها كما ان حاجات الانسان في تغير متحرك وازدياد مستمر  وهي حق مشروع ولم نجد في التاريخ حق يعطى وانما الحقوق كما نؤكد دائما تؤخذ وتنتزع اذا فالشعب سيكون في نزاع مستمر من اجل الحصول على ما يحتاجه وبالتالي سيعود الصراع من جديد 00 ولهذا فحتى الاتحاد السوفييتي قد صرف النظر عن هذا المبدأ وتشبث بالفكر الاشتراكي وهو ما ثبت فشله في جميع الدول التي تبنته حتى بعض الدول العربية التي حاولت تحويره ودبلجته وادخلته في عملية مونتاج معينة غير انها هي الاخرى باءت بالفشل 00 مع ان الفكر الاشتراكي هو اكثر منطقية من الفكر الشيوعي نظريا على الاقل 00والذي يقضي بسيطرة الدولة على جميع المرافق الاقتصادية في داخلها  وتأميم ماكان ضمن النشاط الاقتصادي الخاص وادارتها لها عن طريق مؤسساتها الحكومية  وبالتالي اعطاء كل امريء بقدر ما يؤديه من عمل اخذين بنظر الاعتبار المؤهلات وحتى هذه الاشتراكية قد تعثرت وبقيت مجرد نظرية على الورق فلم تقم اية حكومة تبنت هذه المباديء بتطبيقها على شعوبها بل انشغلت واهتمت بمصالحها الذاتية واغفلت مصالح شعوبها فكل هذه المباديء والافكار التي طرحها المفكرون ضلت حبر على ورق فحتى لو تبوأ واضعوا هذه المباديء سدة الحكم فسيتناسون كل ما وضعوه من مباديء وافكار انسانية وسيهتمون بمصالحهم فقط  فهذه طبيعة البشر00 فقد وجدنا ما جرى في الاتحاد السوفييتي التي تبنت الاشتراكية بعد ان عجزت عن تطبيق الشيوعية ان هيمنت فئة من القادة على كل موارد البلاد وسخرتها لمصالحها وتقوية جيوشها وتطوير اسلحتها ولم يصب شعوبها غير الفتاة من الاجور التي بالكاد تسد الرمق  وحصرتهم داخل الستار الحديدي وهو سجن كبير كل ذلك كان بسبب النظام القمعي الذي اتبعه ستالين واسكت من خلاله كل الاصوات  وماذا كانت النتيجة صراعات بين دول الاتحاد السوفييتي وبالتالي تشرذمه الى عدة دول واضحت الشيوعية في خبر كان 00 اما الفكر الوجودي الذي تبناه سارتر وصديقته سيمون دو بوفوار واشاعوا الاباحية واجازوا التعري وهي افكار مخالفة لكل الشرائع السماوية والوضعية التي تؤكد على الاداب وتعتبرها من النظام العام الذي لايجوز تجاوزه والقفز عليه وهو فكر هدام ومخرب للنظام الاجتماعي المتوازن 0ومع انه لم يطبق كنظام في أي بلد من البلدان غير انه قد اثر تأثيرا سيئا على حياة المجتمعات الغربية التي مارسته على ارض الواقع في مجمل حياتها اليومية وافقدها العلاقة الحميمية والترابط الاسري فيما بين افرادها فهناك الملايين من البشر ولدوا سفاحا من دون زواج شرعي مما اضطر العديد من الدول الغربية الاقرار بالامر الواقع وتسجيل هؤلاء الاولاد باسماء اشخاص قد لايكونون ابائهم الحقيقيون وبهذا فقد انتشرت الاباحية حتى في الشوارع والحدائق وفي غيرها من اماكن الرقص واللهو المنتشرة في كل مكان ان كان في اوربا او في الامريكتين او حتى في بعض الدول الاسيوية واضحت الحياةالاجتماعية حياة فوضوية دون ضوابط او نظام خاص في الامور الاسرية التي تتحكم فيها الغرائز باعتبارها اهم مكوناتها ولربما سبب وجودها 00 فلا يمكن ان يستقيم أي نظام اجتماعي دون محددات ولابد من نظام اجتماعي يعالج كل ناحية من نواحي الفعاليات البشرية اليومية 00 وعليه فقد يكون النظام الديمقراطي هو النظام الامثل الذي يعترف بالاديان كمعتقد شخصي مصان و بالحياة الاسرية وبالمساوات بالفرص وبالعدالة الاجتماعية وهي منبع الفكر العلماني الذي يقر بالنظام الوضعي الجماعي الشامل الذي يشرعه الانسان لنفسه باعتباره يعيش داخل المجتمع بما يتلائم والضروف من مكان وزمان قابل للتعديل والتغيير والتبديل فهي قوانين متغيرة متحركة على مدى الدهر 00 !!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 01-09-2010     عدد القراء :  2248       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced