الطوافات نساء يبحثن في مكبّات القاذورات عن مصدر عيشهن
نشر بواسطة: Adminstrator
الأحد 20-05-2012
 
   

مدينة الفراهيدي ومعشوقة السياب، أم النخيل وفيحاء العراق وعينه على  العالم. البصرة كنز العراق النفطي الذي يراها من بعيد يحسدها على ما فيها  من ثروات ،من الممكن أن تغذي العراق من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه،  والمواطن البصري يجب أن يعيش حياة الترف شأنه شأن المواطن الخليجي،

ولكن ما يحصل هو خلاف الواقع، فالمواطن هناك
يصلح أن نطلق عليه البيت الشعري القائل (كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ.......والماء فوق ظهورها محمول)، نعم هذا هو حال المواطن البصري أزمات متعددة وعوز متكرر في مدينة الذهب، وصور تحيلك إلى مدينة خارج نسق الحياة، والمرأة تشارك الرجل في تلك الحياة التي يعيشونها، نساء بأعمار مختلفة وبلا ملامح واضحة، غطين وجوههن بالكامل بغطاء الرأس (الشيلة) حتى صار نقابا يحجبهن عن الشمس والناس والغبار عيونهن فقط تظهر، نكاد نتعرف على أعمارهن من خلال الصوت أو ملامح عيونهن التي عبث بها الزمن والغبار والذباب والشمس المحرقة .. بعضهن شابات بعمر الزواج وأخريات بعمر الطفولة قد جئن للعب بالنفايات وما تفرزه لهن من لعب متروكة من بيت الأغنياء ، هذه الثروة الهائلة من مخلفات الأغنياء والفقراء ومطاعم المدينة.
النفايات والأمراض
شيء مؤلم أن ترى عوائل بكاملها تعتاش على (الزبالة ). نساء كان المفروض بهن أن يكونّن هناك في بيوتهن لترتيب البيت، والطبخ، والتربية وغير ذلك من أعمال النساء في العوائل المترفة وأحيانا المتوسطة.
شيء محير، هل فعلا هذه النفايات تجلب لهن الرزق .. هل فعلا من أكوام
الزبالة يحصلن على قوتهن اليومي ..
ولكن ما هو الثمن؟ سؤال يتبادر إلى الذهن.. تقفز عشرات الأسئلة الصعبة والسهلة والمحيرة أحياناً ..
كم سيدفعن من عمرهن وصحتهن ، نفايات تحمل كل شيء بما فيها الأمراض المختلفة.. إذا ما علمنا بين النفايات مخلفات المستشفيات والعمليات الجراحية ومن مخلفات المرضى حتما سيدفعن ثمن علاجهن أضعاف ما يحصلن عليه الآن إذا لم نقل يقصر الكثير من أعمارهن الجميلة ..
قالت عضوة مجلس محافظة البصرة عواطف الناهي لـ"لمدى": إن عمل النسوة والأطفال في جمع النفايات ظاهرة خطرة جدا ، وبحاجة إلى تكاتف الجميع لمعالجتها جذريا وليس مجرد ترقيع ..
وتضيف الناهي "ذهبت إلى هناك في الزبير وفي عدد من مناطق البصرة والتقيت بالنسوة اللواتي يعملن في جمع النفايات وعرضت عليهن رواتب الرعاية الاجتماعية ، أو تشغيل أزواجهن أو أبنائهن مقابل ترك هذا العمل المهين للمرأة .. ولكنهن رفضن بالقول: إن عملهن بجمع النفايات والعمل مع معامل تدوير النفايات مقابل ثمن على (الإنتاجية) "يدر علينا أرباحاً جيدة"، وبينت الناهي"أن الرواتب الممنوحة للنساء - بمختلف الشرائح وبأعداد كثيرة جدا - بواقع 100 ألف دينار شهريا، إضافة إلى 25 ألف دينار عن كل طفل يعتبر راتبا معقولا، قياسا للواتي لا يملكن مصدر رزق نهائيا .
مرتب الرعاية لا يكفي
تقول الناشطة في المنظمات النسوية الدكتورة سعاد حسن" إن عمل المرأة البصرية في هذا المجال التعيس جدا يشكل ظاهرة سلبية على المجتمع البصري وظاهرة لا تليق بمدينة يطلق عليها عاصمة العراق الاقتصادية وتطفو على بحيرة من النفط ، ويأكل جميع العراقيين من خيراتها.
وتضيف " الراتب الذي تمنحه الرعاية  الاجتماعية مضحك جدا في ظروف وغلاء فاحش، وانه لا يكفي حتى ثلاثة أيام لإعانة عائلة  لديها ثلاث أشخاص فقط..
باحثة اجتماعية أكدت أن ظروف العمل في هذه الأعمال لا إنسانية، وحمّلت مجلس محافظة البصرة والمسؤولين في شبكة الحماية الاجتماعية المسؤولية عن أوضاع (النساء الطوافات). وتعتقد أن قصور الجهات المعنية هو في عدم تقصي أوضاع هذه الشريحة المسحوقة التي قادها الجوع والحاجة إلى امتهان أعمال تعرض حياتها لخطر الأمراض.
من جهتها، تعتقد الناشطة الاجتماعية (ش . الجيزاني) أن تجربة شبكة الحماية الاجتماعية التي تشرف عليها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لم تحقق أهدافها المرجوة في البصرة ومحافظات أخرى من العراق، ولم تضمن للنساء المحتاجات حياة آمنة وكريمة، مشيرة إلى وجود عمليات تزوير سابقة وذلك بتقديم أسماء لا تتوفر فيها الشروط المطلوبة على أنهم أشخاص مشمولون بالمساعدة، في حين تنقطع المساعدة عن من يستحقها فعلا.
بينما تؤكد لجنة الرعاية الاجتماعية أن العمل يسير بوتيرة جيدة ونعمل الآن على تصحيح الأخطاء السابقة وترويج المعاملات لمن يستحقها بالفعل ووفق الضوابط.
أسلحة وذهب في نفايات الأغنياء
يقول علي شدهان عضو مجلس بلدي "النفايات ثمينة ومواقع الطمر الصحي تشكل منافذ للثراء، وهناك أطراف في البلدية تضع يدها على كل شيء. مراقبو البلدية لهم حصتهم . عائلات من الطوافين يتولون حجز نفايات الأحياء (الراقية).
تقول أم تحسين "إن نفايات الأغنياء لها ثمن ويمكن العثور فيها على (كل شيء) المواد التموينية والذهب وحتى الأسلحة..
وتضيف أم تحسين" أغرتني بعض الطوافات بالذهاب للبحث في المناطق الراقية، في البداية حصلنا على أشياء ثمينة فهؤلاء الأغنياء يرمون الثياب والأحذية التي يعتبرونها قديمة بينما تستر جلودنا لسنوات".
تقول فاطمة زغير 35 عاما "بدأت علاقتي بمكبات النفايات منذ الصغر، عندما كنت طفلة، أرافق أمي وهي تبحث في المزابل، حتى أصبحت هي عالمي، أعيش وسط أكوامها ساعات طويلة أبحث فيها عن كل شيء يباع".
وتضيف "مكبات نفايات الأغنياء مثلهم غنية بكل شيء ثمين مثل الجزائر والبراضعية والمناوي وأحيانا في المعقل والجنينة".
وأشارت إلى أن "الأهالي ارحم من دوائر البلدية لعدم التزامهم برمي النفايات في حاويات كبيرة كي يسهلوا عملنا".
جاسمية مخيلف 40 عاما، أم لأربعة أيتام تفترش مساحة من الأرض الفارغة بأحد الشوارع الخلفية، في شارع المطاعم وسط العشار، تصنف فيها ما جمعته خلال طوافها اليومي: علب مشروبات غازية، وقطع صغيرة من كابلوات كهرباء، وفافون، وقناني عطور وما شابه؛ كي تسوقها لبقالين كل حسب اختصاصه، ثم تتسوق بما تحصل عليه من مال لتعود إلى أطفالها الأيتام في بيتها.
ملاعق فضية وأقراط!!
تقول سعدية أم علاء 30 سنة إن "أجمل ما في النفايات تلك المواد التي ترمى سهواً، ولم تتنبه لها ربات البيوت عند تنظيف بيوتهن، ومن بينها ملاعق فضّة، وساعات يدوية، وأقراط وخواتم ذهبية لأطفال، وأحيانا نقود مدفونة في حافظات، وعلب مواد غذائية غير مستخدمة".
أم كاظم خبيرة في العمل تقول كنت أعمل "طوّافة" في زمن الحصار في
التسعينات قبل أن تبتر قدمها بانفجار لغم عنقودي من بقايا حرب الخليج
الثانية في المناطق المحاذية للحدود السعودية ـ الكويتية غرب منطقة
"اللحيس" المنطقة الغنية بالنفط ، وهي تبحث عن مخلفات (بقايا الأعتدة
والمعدات) لتحصل على مادة النحاس والألمنيوم والمعروف بـ (الصفر والفافون).
وتضيف أم كاظم " بعد بتر قدمي توقفت عن مهمة العمل في الطوافة أو
الدوارة، وسلمت العمل لولديّ اللذين يجوبان كل مناطق البصرة، يبحثان في القمامة لجمع الزجاجات الفارغة والبلاستك والأحذية الجلدية والعلب المعدنية لقناني المشروبات، والأجهزة الكهربائية العاطلة وبقايا المولدات والمحولات الكهربائية، ولديهم عربة يمتطيها حمار، أما أنا فعملي اليومي
كمشرفة على كل الباعة. مشيرة إلى أن عملها طوال اليوم وفي أوقات الذروة، وأيام الجمعة يكون دوامها مستمرا من الصباح الباكر حتى المساء، وتصف أم كاظم عملها بالقول "هو فرز الحمولة وإزالة الأوساخ العالقة فيها ووزنها، قبل أن يعالج قسم منها في الورشة، بينما يرسل قسم آخر منها إلى معمل صغير لصهره وإعادة تصنيعه".

البحث عن عربات عسكرية!!
وبدافع البحث عن صيد ثمين كما يسمونه في رحلة بحث طويلة  تتجه بعض النساء من ورش أخرى بما يشبه تحركا جماعيا نحو الصحراء بالقرب من منابع خيرات العراق في شمال مدينة الرميلة أو على الحدود السعودية العراقية.
وهذه "أم كريم" وهي امرأة لرجل معاق ومريض وأم لخمسة أبناء ومن سكنة احد أحياء مدينة الزبير، اذ تجدها تبحث مع النساء الأخريات وهن قريبات لها  في تلك المناطق، على مخلفات المعدات العسكرية للحروب .
وبحسب "الطوافات"، فإن الحروب السابقة خلفت كنزاً من المواد المهجورة على الحدود تحتوي على أعتدة وأسلحة مدمرة وسيارات، ومدافع ودبابات وصواريخ ومواد بناء وإطارات.
أما الشابة "سراب " ويبدو أنها تشابه أسمها وهذا واضح من نبرة الحزن على صوتها بالرغم من أنها شابة صغيرة وتغطي كامل وجهها  بنقاب اسود، فتقول "يقتضي العمل أن تحملنا العربات أو (الستوتات) إلى الصحراء مبكراً، ونبقى نعمل ونطوف في الصحراء ونجمع المخلفات إلى آخر ساعة في النهار، حتى نأتي  بما نجده إلى (العلوة)، مشيرة إلى أن هذه المناطق صحراوية وبعيدة ولا ترتبط بشوارع (تبليط) معبدة لذا يقوم الرجال باستطلاع  هذه المناطق وحجزها وتأمينها ضد (السلابة) والطوافين من مناطق أخرى.
وتتابع: عند وصولنا إلى الصحراء نبدأ بالبحث عن المواضع العسكرية التي طمرتها الرمال، وإذا حالفنا الحظ يمكن أن نعثر على عربة عسكرية معطوبة أو مدرعة نقوم بتفكيكها وحمل الأجزاء المفيدة منها.
صاحب السيارة التي تقل الطوافات (أبو عامر) يقول "عملنا فيه الكثير من المخاطر، حيث أن طريق عودتنا صعب في المساء، فالرمال تضلل السائق لاسيما إذا أوغل في صحراء منطقة (خضر الماء) المتاخمة للحدود السعودية، كما أن الكثير من الطرق الصحراوية شقها الأمريكان أو الجيش العراقي بصورة عشوائية وتقودك إلى مواضع مجهولة وقد يفقد السائق الطريق ويدخل حقل ألغام.

أصحاب ورش تدوير النفايات
أحد أصحاب الورش في البصرة القديمة التي تضم أيضا ورشة لإذابة المعادن، يجلس وراء مكتبه المعدني المتهالك ينتظر عودة الغنائم الرخيصة والثمينة، يقول وهو يدخن (النارجيلة) ويصف الوضع في العلوة ووضع النساء قائلاً "أغلب النساء هنا بلا معيل، وليس لهن إلا الله ونقوم بمساعدتهن من خلال عملهن معنا مقابل أجور مرضية، لذلك عليهن العمل من الصباح وحتى المساء".
ويضيف "نحن نعتمد عليهن أكثر من الرجال فهن يتحملن أكثر، معتقداً أن هناك "خيرا" كثيرا ما زال مطموراً تحت رمال الصحراء، ولا يتطلب منه ومن ورشات أخرى سوى الجهد والمثابرة، متجاهلاً فيما إذا كان هناك تلوث أو ملوثات إشعاعية من مخلفات الحرب. ويستهجن ذلك بالقول: (كلمن يموت بيومه)، مؤكداً أن ورشته وفرت لنساء أرامل وفقيرات عملا شريفا يعشن منه، أكثر مما وفرته الجهات المعنية!".

المدى/البصرة/ ريسان الفهد

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced