حاويات النفايات مساكن لبعض البصريين
نشر بواسطة: Adminstrator
السبت 15-08-2009
 
   
البصرة /  الملف برس
حسرات بصري كتبها حسين فوزي
لا ينكر البصريون  نعمة  الأمن التي حلت عليهم بعد شباط 2008، و هم يعبرون عن امتنانهم لكل من اسهم في مواجهة سلاح عصابات المجرمين بالسلاح، حتى بات صوت إطلاق النار نادراً. و في شوارع سوق  المغايز  ( الهنود في أربعينات و خمسينات القرن الماضي ) لم يعد اللون الأسود وحده زي النساء، بل تعددت ألوانه لتتناغم مع ربيع البصرة و صيفها ، موعد تفتح المزيد من ورد الدفلة و الجوري و الجعفري و الزنبق البري ثم احتراقه بالحر المتصاعد مع اتساع ثقب الأوزون!؟ ولكن البصرة ظلت مع ذلك حزينة .

السمك فيها أغلى
تظل البصرة حزينة، في عيون مواطنيها السود و البنية النحيلة القاتمة وألم دفين يسكن ابناءها ، فكل شيء في البصرة صعب، بدءاً من مياه الشرب التي لم يعد المواطن يأتمن تناولها من حنفيات إسالة الماء، فهي مالحة إلى حد يمنعك عن شربها، و إن تجرأت على تناولها في أحياء الجمهورية ( الفيصلية قبل تموز 1958) و الموفقية و سبعة ميل و الحيانية، فقد يقتلك تلوث محتمل، أو على الأقل تصاب بأعراض مقاربة للـ " كوليرا" ، بعد أن كان " الباور هاوس " بخزانه الدائري يطل على العشار ليغذيه بماء أقل ملوحة. و حتى السمك الذي كان وافرا عادة، باتت أسعاره أعلى كثيراً من سعر السمك في بغداد و ربما الموصل، مع أنها المدينة التي تمتد حتى البحر، ليس عند الفاو وحده، و إنما هناك ميناء أم قصر، و الميناء العميق. و يقول بعض البصريين من المعنيين بالملاحة أن الأخوة في الكويت يغرون الصيادين البصريين على بيع السمك لهم، بدلاً من توصيله إلى الفاو ليشتريه البصريون بأسعار أقل مما يدفعه الأخوة الكويتيون، التجار الشاطرون في زمن العولمة و ما قبله!
و شط العرب الذي كانت الأمواج تتلاطم في مجراه قبالة مطار المعقل، و كان زوار المنطقة يسيرون على الجسر الخشبي قبيل فتحة السفن ليشاهدوا السمك يطير قافزاً من الماء، لم يعد سوى مجرى صاغراً فقد عنفوانه، شأن العنفوان المفقود في صدور الكثير من البصريين.

التمر لم يعد في البصرة
لم يعد التمر غذاء الفقراء من البصريين، فغابات النخيل التي كانت تمتد من أطراف العشار عند محلة الساعي، مروراً بالفرسي، لتحتضن جامع الكواز في البصرة القديمة، لتلتحم مع امتداد غابات أبو الخصيب، تحولت إلى أحياء سكنية كانت حديثة في زمن مضى، و هي الآن خربة، بعد أن كانت في مطلع خمسينات القرن العشرين بساتين نخيل معطاء، تحتمي تحت سعفها زهور الرمان الحمر و يمتد مع نسمات الفجر عبير قداح البرتقال، و تلون الخضراوات المتعددة الأرض، لتكوَّن بساطاً ملوناً، تشارك أعواد الريحان الفارعة مع عبير القداح لتضفي عطراً خفيفاً تحت النخيل المشرئب بحثاً عن النهار.. نهار بدر شاكر السياب الذي وجد الجمال حتى في ظلام الوطن.
توسعت مدينة البصرة بشطريها الرئيسين، البصرة القديمة و العشار، منذ عام 1957، و كان أقسى توسع هو إطباق حركة البناء بدءاً من شط العرب بامتداد مسكن المحافظ في العشار، نحو البصرة القديمة، عندما تم شق شارع 14 تموز، ليخترق غابات النخيل العريقة، حتى باب الزبير مقابل مباني جامعة البصرة. و في التوجه ذاته شقت شوارع أخرى كثيرة لتقتل النخيل، و تنتزع الخضرة، و لتحيل جمال الطبيعة و ألوانها البهيجة في مناطق كوت الحجاج، و منطقة مجزرة الجسر الأحمر، و نواحي جنوبي البصرة جميعها إلى أحياء سكنية. كانت مذبحة قُتل فيها الخير المتأصل في البصرة، قطعت جذوع ملايين النخيل، و وؤدت مئات ألاف أشجار الرمان و البرتقال و العنب.
لم يكن أحد يعرف شيئاً عن البيئة، لم يكن أحد يتذكر الرحمة بـ " عمتنا النخلة " المعطاء.
الفرحة سادت بين ملاك الأرض، حتى تحولت أسعارها إلى مصدر رئيس من مصادر المضاربة، و ما تزال المضاربات مستمرة تحاول تغيير صنف بساتين النخيل حتى يومنا هذا، لتنحر، و تقام مشروعات جاءتها الأموال من الجيران. و صار التلوث وضعاً يصعب علاجه بعد مذبحة النخيل الكبرى في أواخر خمسينات و سبعينات القرن الماضي.
المدينة التي كانت بساتين النخيل و ألوان زهور الفاكهة و عطر قداح البرتقال تلطف نفوس مواطنها، و يضفي الميناء بكل ما يوفره من تلاقح الثقافات، لم يعد أهلها كما كانوا، غيبت فؤوس قتلة النخيل الكثير من رقتهم..غيبت ملوحة مياه إسالة الماء رقة صوت حناجر الكثير ممن أجادوا الغناء قبل عام 1958، ممن غنوا لتواصل المحبة و تعاطف البشر و تحننهم على بعض.
كان المعقل، الميناء و المدينة، شاهداً على نظافة نادرة، حتى لتكاد تشعر بأنك في مكان غير العالم " النائم "، فالكل يعمل في الميناء، في تفريغ سفن و شحن أخرى، و ترانيم غناء تترد بلهجات جنوبية تتجاوز البصرة إلى العمارة و الناصرية.

المعقل تداهمه قطعان الفئران 
المعقل اليوم باتت أقرب إلى مزبلة، تداهمها فئران نمت خلال فترة تعطل الميناء زمن الحرب مع إيران، لتلحقه فترة تعطل الحصار العالمي بعد مغامرة غزو الكويت. و الشناشيل التي شدت انتباه بقية العراقيين و المعنيين بفن زخرفة العمارة في الوطن العربي و العالم، لم يحفظ لها جمالها،حتى باتت الأرضة تجهز عليها، و تحول لمسات خطوطها إلى تجاعيد توحي بالانقراض وليس روعة جمال عطاء الإنسان المتجدد.
تعطل البصريون عن العمل، و لم يعد عمال كثر يجدون في المعقل لقمة خبزهم، و توقف البناء، حتى تحولت مساكن البصريين إلى عمران غربت عنه الرعاية فآل إلى السقوط. و هجم جمع أكتنز المال من ظرف العسر الذي ضرب العراقيين، ليضاربوا في استثمار محنة البصريين لسلبهم بيوتهم و بساتينهم.

الحر يشوي البصري
الحزن في البصرة أخصبه الفقر و الحرمان، حتى باتت حاويات النفايات مساكن للبعض.
حزن تغذيه البطالة الحزن في مدينتي جذرته بطالة أرباب الأسر حتى لم يعد لهم من أمل سوى الإيمان بفرج يهدي إليه الخالق ليلطف بعباده البصريين.
و برغم كل هذا الحزن كان الخطف و القتل خنجراً مضافاً يطعن البصريين، و معه البعض ممن فشل في تأجيج الطائفية بين البصريين، لكن هذا لم يمنع من دون الاعتداء على المساجد، و عتم على واقع أن حب آل البيت من سنة الرسول و صحبه. لكن البصريين لم ينسوا تآلفهم..لم ينسوا المحبة بين الإنسان و أخيه الإنسان، فلم يعتد البصري السؤال عن دين المرء أو مذهبه..كانوا جمعا إنسانيا متحابا..لكن المأساة كل المأساة أن العنف يُصدَّر من كل جوار البصرة بلا استثناء، و البعض منه برعاية دول، و البعض منه يأتي مع مهربي المخدرات الداخلة، أو مع عودة مهربي المشروبات الخارجة أحياناً أخرى. و بات الجوار ملجأً لقريب كل مسؤول في المحافظة تلاحقه دعاوى بشأن المال العام.
دفع البصريون أكثر من غيرهم ثمن مغامرة الحرب الخاسرة مع الجارة إيران، و هو ثمن لم يلحق دم الإنسان و فرص حياته، بل وصل إلى النخيل والمواطن البصري الأصيل ، فكانت القذائف تقطع رؤوسه، و كانت المدرعات و الجرارات تقتلعه من جذوره، و كان البعض من القادة ينقلون أنواعه النادرة إلى بيوتهم خارج البصرة، أو يبيعونه إلى الأخوة في الخليج العربي.
و ما تزال حياة البصري يستبيحها الفقر، و ضغوط مفاهيم لا علاقة لها بالإسلام، و يظل الحر يشوي البصري عله " يطبخ الخلال " الذي بات نادراً لندرة النخلة في البصرة.. و يظل الشيء الوحيد توق أجيال الفراهيديين و السيابيين إلى العدالة و الحرية و المساواة.. توقهم إلى بناء حياة تليق بالثغر العربي الذي انطلقت منه رسالة الإنسانية ما بعد الجزيرة لتبشر أن " لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى " لتبشر " أن الناس و لدتهم أمهاتهم أحرارا " لكن حرارة البصرة و ظروفها تلقي عليهم بأعباء الكثير.. الكثير!!

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced