حبر وملح - علوية صبح: أنوثة المكان!
نشر بواسطة: Adminstrator
الخميس 10-09-2009
 
   
الحياة
زاهي وهبي
غالباً ما يجرى الربط بين الأمكنة وناسها. «الجنة بلا ناس ما بتنداس» هكذا يقول المثل الشعبي الشائع. دائماً يمنح البشر أنفسهم الأولوية على كل ما عداهم، علماً أن الأمكنة تترك في ناسها تماماً كما يترك الناس في امكنتهم : ندوباً وعلامات وطبائع كثيرة.

ما عليه. ما لنا ولأمرٍ شرحه يطول. لكن لماذا يكاد الأمر يقتصر على الذكورة حين يتعلَق بعلاقة الناس وأمكنتهم؟ لماذا يقال هذا المقهى الذي ارتاده سارتر وذلك الذي كتب فيه محفوظ وهنا تلاقى جماعة «شعر» ؟.....الخ. أليست المرأة أيضاً علامة من علامات المكان؟ ألا تمنح بحضورها ونتاجها الابداعي الأمكنة الكثير من هواياتها وخصوصياتها، بل من سحرها وألقها الابداعي، لا الانثوي فحسب.

لم يكتب أحدٌ عن بيروت كما فعلت غادة السمَان (بيروت 75، لا بحر في بيروت، كوابيس بيروت.....الخ)، ولا نستطيع كلاماً عن دمشق بلا ذكر كوليت خوري، ولا عن بغداد بلا نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة، ولا عن القاهرة بلا نوال السعداوي وفتحيَة العسَال، ولا عن فلسطين بلا فدوى طوقان وسحر خليفة وتمام الأكحل ولا عن السعودية بلا رجاء العالم ولا عن الامارات بلا ميسون القاسمي، ولا عن الكويت بلا ليلى العثمان وسعدية مفرَح......الخ. طبعاً هذه مجرَد امثلة على اسهامات ابداعية لا حصر لها فالقائمة تطول وتتشَعب، لماذا اذاً لا نكتب ولا نقرأ عن علاقة هؤلاء النسوة المبدعات بأمكنتهن، بمدنهن، بحاراتهن، بمقاهيهن، بالحيز «الجغرافي» الذي لولاهن لكان ناقصاً بل متصحراً.

أزعم الآن ان شارع الحمرا الذي ربطناه طويلاً بأسماء مبدعين كثر من الذكور، كان ناقصاً لولا علوية صبح، فهذه الروائية المبدعة التي ابهرتنا بعد فترة طويلة من «الصمت المكتوب» تلت روايتها الاولى «نوم الايام»، بثلاثية مدهشة: «مريم الحكايا»، «دنيا»، و «اسمه الغرام» - ولست هنا بصدد النقد الادبي - تشكل بحضورها الاثير الأنيس علامة فارقة من علامات الحمرا، وتالياً من علامات بيروت بوصفها - على رغم كل ما أصابها واعتراها - حيزاً للحرية والتنوع والابداع.

منذ عقود طويلة وعلوية هنا. مرت حروب ومحن، ومر الذين كتبوا على الجدران فلان أو علان مر من هنا، وظلت هي هنا. دارت الايام ودارت القهوة وتعاقبت عهود وسلطات واختلفت «هيئة» الشارع بين عهد وآخر، بين عقد وآخر، وظلت هي هنا. بعضهم كتب بالنار والبارود والرصاص الباقية «حروفه» على الحيطان، وبعضهم كتب على اليافطات والجدران وصفحات الجرائد وظلت هي تكتب على الورق الأبيض، تحبره بنضج التجربة وخبرة الايام، وحين رفعت القبعة وأخرجت ما تحتها من سحر الكلمة ومهارة القص، اكتشفنا أن ما مر على المدينة والناس مر أيضاً على جسدها وروحها وها هي تكتبه لا بالحبر أو بالرصاص بل بعصارة القلب وعصب البدن، وقارئها يشعر لا مناص كم أن عصبها مشدود وروحها قلقة تماماً كما المدينة الباحثة عن اشارة طمأنينة وبرهة أمان، وكما الشارع الذي لولا مبدعوه، على اختلاف اهوائهم ومشاربهم واجيالهم ومقاهيهم وحاناتهم وحالاتهم وطقوس عيشهم، لكان مجرد اسفلت واسمنت و «فترينات»....!

رواد الشارع الذي يسترد رونقه يوماً على صدر يوم، يشاهدون علوية صبح ذهاباً واياباً، بين آخر الشارع وأوله تقريباً، بين اقامتها في محلة «أبو طالب» ومكتبها في مجلة «سنوب» قرب مبنى جريدة «السفير»، وبين الذهاب والإياب تعرج على مقهاها، ترشف قهوة الصباح، ترشح عطراً ومودة، تقطر حبراً وصداقة، مانحة الكتابة العربية أفقاً جديداً والعمل الروائي مزيداً من الحرفية والشجاعة، والجسد الانساني فرصة ليبوح بما عنده بشفافية وجرأة، راصدةً التحولات الكثيرة التي تصيبه تماماً كما تصيب جسد المكان، أو كما تصيب المكان بوصفه جسداً حياً ينبض ويفرح ويتوجع ويتألم ويحلم ويشتهي، فمعها ومع قريناتٍ لها يمكن لـ «نون» المكان أن تكون «نون» النسوة أيضاً بمعنى ألا ترضى بجعله فقط مكاناً للذكورة الوعرة، بل جسداً مشتركاً للخصوبة والإبداع ولولاداتٍ دائمة ومتجددة كما تفعل علوية صبح ونساء رواياتها.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced