سان سيمون يضع مشروعاً لوحدة اوروبية مبكرة
نشر بواسطة: Adminstrator
الجمعة 23-10-2009
 
   
الحياة
عمدت مخيلة الشعراء دائماً، الى جعل العصر الذهبي حقبة تاريخية ماضية تتزامن مع طفولة النوع الإنساني. والحال أنه كان الأجدر بالشعراء أن يجعلوا العصر الحديدي، لا العصر الذهبي، ملازماً لذلك المهد. ذلك أن العصر الذهبي للنوع الإنساني لا يوجد خلفنا، بل أمامنا. وإنه لقائم من اجل تحسين النظام الاجتماعي والاقتراب به خطوات حقيقية نحو الكمال. إن العصر الذهبي عصر لم يره آباؤنا، أما أبناؤنا فإنهم هم الذين سيصلون اليه يوماً. وعلينا نحن أن نشق اليه الطريق».هذا الكلام الواضح في علاقته بمفهوم التقدم، وفي عدائه لأي حنين يجعل الماضي محط الأنظار، جاء في واحد من فصول كتاب «عن إعادة تنظيم المجمع الأوروبي» للمفكر الاشتراكي الخيالي الفرنسي الكونت دي سان سيمون. وسان سيمون نشر كتابه هذا عام 1804، في فرنسا التي كانت المساعي النابوليونية فيها قد وصلت الى مأزقها التاريخي وطريقها المسدود. وبات على المفكر، لا على السياسي أو العسكري، أن يستخلص نتائج ما حدث خلال الفترة الممتدة بين اندلاع «الثورة الفرنسية» التي كانت قد غيرت وجه بعض الكون وصورة العلاقات السياسية بين الطبقات، وبين إخفاق آخر محاولات نابوليون لـ «تحديث العالم وأوروبا» من طريق غزوهما. وفي هذا النص الذي يمكن اعتباره وصية «سياسية واجتماعية» مبكرة لسان سيمون، كان من الواضح ان الاهتمام يتركز على أوروبا، ولكن ليس من طريق اعتبارها كتلة جغرافية أو سياسية معزولة، بل باعتبارها قدوة وخطوة أولى للبشرية، على طريق التقدم، تقود الى خطوات تالية.
> ومن هنا لئن كان بعض الباحثين يرى في هذا الكتاب، بداية نظرية لولادة المشروع الـتوحـيدي الأوروبــي، نـلاحــظ أن مـفكـريــن آخرين، أكـثر كوزمـوبـوليــتـية - وأيضا أكثر اطلاعاً على ثنايـا فـكـر سـان سـيمون وأحـلامه - يـرون انـه، انـما قـدم أوروبـا هـنا كـنموذج فـي مجال إعادة بناء مجتمعات موحدة في ما بينها، ولو على صعيد البـنية الـفـوقـيـة للمـجتمع، طـالما أن فـكرة وحـدة الـشـعوب أو اتحادها، ليست المسألة الحاسمة هنا، وإن كان العنوان الثانوي للكتاب كالتالي «حول ضرورة ووسائل تجميع شعوب أوروبا في جسم سـياسي واحـد، مع احتـفاـظ كـل شـعب منها باستقلاله الوطني».
> الحقيقة إن كتاب سان سيمون هذا يعتبر ذا أهمية فائقة، خصوصا أن المؤلف لم ينطلق فيه من أمور نظرية خالصة، بل من مسائل ملموسة وعملية... وبالتحديد من محاولات نابوليون التوحيدية، ثم أساساً من الدور الذي كانت تلك المحاولات تنيطه بالعلماء والمفكرين. وواضح هنا أن سان سيمون كان في ذهنه وهو يتناول هذا الجانب، الشق العلمي والفكري من حملة بونابرت على مصر، إذ نعرف أن هذا اصطحب معه في حملته عشرات العلماء والمفكرين، لكي يضفي على الحملة طابعاً يبتعد بها، الى حد كبير، عن الطابع العسكري البحت. وفي هذا الإطار واضح أن أهمية كتاب سان سيمون من أن مؤلفه حاول - وللمرة الأولى - أن يحل عدداً من المعضلات التي كانت تجربة نابوليون تركتها من دون حل، على الصعيدين الفكري والسياسي. وفي هذا الإطار تقول فكرة سان سيمون الأساسية إن التعاون بين كبار «القادرين» (فكرياً، أي في شـتى صنوف العلم والمعرفة) هو السبيل الوحيد لحل تلك المعضلات، وتحديداً معضلات إعادة بناء الأمم. وهكذا يحدث لسان سيمون، الذي لطالما اتسمت أفكاره بالسمات اليوتوبية، يحدث له فجأة أن يتبدى واقعياً ويلتفت صوب ملوك أوروبا كلهم، متمنياً عليهم أن يتعاونوا في ما بينهم، باسم التقدم والصناعة، وخصوصاً الصناعة التي هي، أصلا بالنسبة الى سان سيمون، في أساس التقدم.
> سان سيـمون يقول للملوك هنا، إن لا أحد يمكنه، مهما حاول، أن يوقف مسيرة الزمن. وان عملية إعادة التنظيم التي بات لا مفر منها، قادرة على أن تنسف في طريقها كل الأحكام المسبقة والمسلمات. وبالتالي فإن المجتمعات ستتأسس حتماً، على أسس واضحة وجلية يكون فيها، بالضرورة، ترجيح للنشاطات الصناعية والتجارية. وهذا سـيجعل النـشاط الاقتصادي مرتبطاً، وأيضاً بصورة حتمية، بالنشاطات الســياسـية. وهـنا يـذكّـر سـان سـيمون من يحب أن يـقرأه، بـأن الساحة الـسياسية الأوروبية بدأت تشهد بالفعل عدداً كبيراً من الأحداث والتـجـديدات السياسية والاجتماعية: بدءاً بتعميم الظاهرة البرلمانية، وصولاً الى انتفاضات الشعوب وثوراتها. ولما كان الأمر كذلك، قال سان سيمون:» لا يبدو اليوم ما هو أكثر طبيعية من أن يبادر الملوك والمسؤولون الى استباق الجميع في خطواتهم وتحركاتهم، وذلك لمصلحة الخير العام والرفاه الجماعي، خصوصاً لما فيه مصلحة العمال والناس الأكثر بؤساً وتواضعاً». وهنا، لئن تبدى النظام البرلماني البريطاني فاعلاً حقاً وصـالحاً حقاً، لا يرى سان سيمون أي بأس في أن يتناقش الملوك والحكومات من حوله ومن حول جدوى اتخاذه مثلاً يحتذى، وذلك من حول طاولة تفاوض يكون الهدف منها الوصول الى فيديرالية أوروبية حقيقية. وهنا لا يفوت سان سيمون أن يؤكد أن فيديرالية من هذا النوع يمكن فيها لفرنسا وانكلترا وألمانيا معاً، أن تمسك بزمام أمور التقدم والرفاه. فلو حدث هذا فلا شك أن المجتمع الأوروبي سيعيش حقبة تطور حقيقي.
> والمطلوب هنا، إذا، الإسراع الى تأسيس هذا السلام الحقيقي الذي هو الطموح الأساسي والكبير للإنسانية. أما مركز المسألة كلها في بعدها الاقتصادي، فمن شأنه أن يجعلنا نتفادى الوقوع في التجريدات والتعميمات لتدخل صلب الملموس. وإذ يوضح هذا كله مركِّزاً على دور الحكومات والملوك والبنى الفوقية في المجتمع، يختتم سان سيمون حديثه بالقول إنه قد آن أخيراً «للشعوب أن تتعارف في ما بينها وأن تحظى بمؤسسات وهيئات مشتركة». وبالتالي فإن المنظومة السياسية والاجتماعيـة التي يدعو اليها سان سيمون مدعوة الى توحيد العقول والأذهان النيرة من أجل الوصول الى الخير العام.
> هذا الكتاب الذي يعتبر عادة واحداً من أوائل مشاريع الوحدة الأوروبية، يتمتع بأهمية تاريخية أخرى، تكمن في كونه يقدم للقارئ في ثناياه، ومن خلال التحليل، صورة حية ومسهبة للحياة الاقتصادية والسياسية في فرنسا، كما في أوروبا في ذلك العصر. وهو أحياناً يقرأ على هذا النحو، من دون إنكار فضله في التنبيه مبكراً الى أن الوحدات الحقيقية بين شعوب متقاربة جغرافياً، لا يجب أن تنطلق من العواطف بل من الواقع الملموس: واقع الاقتصاد والحياة المشتركة.
> واللافت أن هذا الكلام الواقعي الملموس في مشروع واضح الأهداف مـمكن التحقيق، جاء بقلم مفكر وسم دائماً، ووسمت أفكاره ومشاريعه، بالبعد الخيالي. وهذا المفكر (سان سـيمون) ولد عام 1760 لأسرة نبيلة الأصل، لم يـبق مـن مـجدها وثـروتـها سـوى الإسـم. لكن الفقر لم يمنع سان سـيمون من أن يتلقى تعليماً جيداً ويدخل في عام 1777 ســلك الـجنـدية كصـف ضـابط، ثم يـلـحق بـجـيـش لافاييت المحارب الى جانب الثورة الأميركية. بين 1783 و1789 قام سان سيمون بجـولات عدة في هولندا واسبانيا، ثم عاد الى باريس مناضلا في التحركات الاجتماعية قبل أن ينصرف الى بعض الأعمال التجارية. وفي عام 1793 سجن وكاد يعدم لولا سقوط روبسبير. ثم أطلق سراحه لينصرف الى العمل العلمي. وفي عام 1802 نشر أول كتبه «رسائل من قاطن في جنيف الى مواطنيه». وكان الكتاب باكورة نشاط سياسي وتأليفي تواصل حتى رحيله في عام 1825، وأسفر عن عشرات الدراسات والكتب، كما عن تشكل الكثير من الجمعيات الاشتراكية التي انتشرت في أنحاء عدة من العالم ناشرة العلم والمعرفة مبشرة بالتقدم وبنوع بدائي من الاشتراكية.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced