النقدية الأكاديمية ورصد الشعر العراقي
نشر بواسطة: mod1
الخميس 15-12-2022
 
   
د. نادية هناوي - المدى

إن الوقوف عند واقع النقدية الأكاديمية والتأمل عن كثب في فاعليتها في دراسة الشعر العراقي

أمر بات مهما بعد هذا الكم من الاطاريح والرسائل المتزايدة في دراسة هذا الشعر، مما يستدعي منا ان نتساءل عن الكيفية التي بها يوظف الناقد الأكاديمي منهجياته وأدواته في دراسة الشعر المعاصر؟ وما مدى اقترابه من المشهد الشعري في معالجة الإشكالات؟ وهل يتعاطى مع هذا الشعر بدوغماطية مقيدة أو أنه يتعامل بانفتاح واريحية؟ ما ممكنات الأفادة من الحيز المؤسس من قبل الناقد غير الأكاديمي؟ وما طبيعة التبويبات العلمية والخطط البحثية المعتمدة في دراسة الشعر المعاصر ونقده؟ أ يصح القول إن الوسط الثقافي أفاد من محصلات النقدية الأكاديمية أم أن هناك حاجزا غير مخترق بين الاثنين؟ لماذا تبدو اجتراحات النقدية الأكاديمية للشعر المعاصر غير متبلورة عن منهج يمنحها سمات القوة في نقد الشعر وتقويمه؟

وغير هذه الاسئلة كثير وهي بمجموعها تصب في باب البحث عن الاعتبارات الموضوعية التي على وفقها يتم تقييم التجارب الشعرية وتحديد إبداعيتها وهل فعلا يمكن الارتكان الى النقدية الاكاديمية في حسم القول في نقد الشعر؟.

بالطبع لا تمتلك النقدية الأكاديمية اليوم الدعائم الكافية التي بها تعزز دورها في تقييم التجارب او الظواهر تقييما حاسما. ومن ثم يكون ضروريا وضع أسس قوية تنبع من صلب الواقع الموضوعي وتتبناها هذه النقدية وتعتد عليها في دراسة التفاوتات الابداعية في التجارب الشعرية فتحدد وترصد وتشخص.. وهكذا.

وليس من حق اية نقدية أكاديمية أن تنغلق على نفسها وتولي ظهرها لشكل أو ظاهرة أو قضية شعرية معينة بحجة ان التجارب الشعرية لا تملك وضوحا او ان دور الناقد الأكاديمي يقتصر اليوم على التصدي لموضوعات نقد الرواية ومتعلقاتها.

ومثل هذه الحجج انما هي في الحقيقة تنم عن قلة باع في التعامل مع نقد الشعر المعاصر، ولذا يتم الهروب من ميدان الشعر الى ميدان السرد الذي فيه المجال متاح للشرح والتطويل بالافادة من حثيثات الرواية نفسها وبالاستعانة بها في كتابة بحث يوصف بانه نقدي بينما هو في الحقيقة تقرير تلخيصي وعرض انشائي للرواية او الروايات المدروسة.

وهو ما نجده اليوم واضحا في هذا الكم الكبير من الكتابات التي يصعب ان نصفها بالنقود الاكاديمية لانها عبارة عن تجميع وعرض بلا استقراء او استنتاج ومن دون ادنى طموح الى التجديد والابتكار والإضافة الى السابق الذي صار يُنظر اليه من قبل الاكاديميين وغير الاكاديميين على انه محسوم القول فيه ولا يحتاج تدقيقا او اعادة مدارسة.

فكيف بعد ذلك يتقدم الدرس النقدي الأكاديمي حول الشعر ومسائله الجديدة نظريا وعمليا؟ وكيف تتفاوتت مقتربات الأكاديميين في التحصيل واستلهام المرجعيات وهم يتحاشون الاستقراء ويأنفون من الأفادة من التراث الشعري.

لعل من نافلة القول إن النقد الادبي بالعموم كان قد سبق النقدية الاكاديمية في رصد الشعر المعاصر وقطع شوطا كبيرا قبل أن تشيع روح نقد الشعر اكاديميا. وظل النقد غير الاكاديمي هو السابق في تتبع منحنيات الشعر العراقي ورصد ظواهره وتجاربه الشعرية المميزة.

ويعد الناقد عبد الجبار عباس أول من تتبع الاطاريح الأكاديمية التي تخصصت في نقد الشعر، ورصد ما فيها من عدم جدة وضعف ابتكار. وكان رياديا في التأشير على ما سماه(بدء مرحلة النضج اللائق في الدراسات الأكاديمية عن أدبنا الحديث التي مهدت لها دراسات جامعية سابقة) (مرايا جديدة، ص119) وسلط الأضواء على كتاب د. علي عباس علوان الموسوم(تطور الشعر العربي الحديث في العراق اتجاهات الرؤيا وجماليات النسيج) ووصفه بالنضج، لأنه غادر المسح التاريخي او منطقة التاريخ إلى منطقة الفن (الخيال/ الصورة/ اللغة/ الموسيقى) ومنطقة الرؤيا والنقد الفني تأثرا بالدراسات الغربية، فضلا عن توظيفه الوعي والذائقة في التحليل. وتمنى ان تتاح للدكتور علوان الفرصة لتتبع آراء الباحثين والنقاد في نشأة الشعر الحر بمثل هذا الدأب العلمي والذائقة النقدية المرهفة التي تشيع في كتابه الذي نعته عبد الجبار عباس بالفخم والجميل.

إن ما أشرَّه عبد الجبار عباس حول ما سماه منهج التاريخ النقدي، وحضه الباحثين الجامعيين على تتبع أسلوب علوان في رصد حركة الشعر العراقي الحديث إنما يعد رياديا كونه يدل النقدية الاكاديمية على مساحات عمل وانتاج جديدة بها ستحرك النقد العراقي في ثمانينيات القرن الماضي.

أما الأستاذ الناقد فاضل ثامر فكانت له دراسة هي الأخرى ريادية، وقد تضمنها كتابه(مدارات نقدية) 1987 بعنوان(النقد الأكاديمي في مواجهة شعرنا الحديث) بثلاثة أقسام القسم الأول بعنوان(الخروج من الطريق المسدود) والقسم الثاني(في مشكلات المنهج النقدي) والقسم الثالث النقد(في مواجهة الظواهر الفنية للشعر) وهذه الدراسات كانت قد نشرت بين الأعوام 1983ـ1984 وأولى الناقد اهتماما للمنهج وكيفيات توظيفه في الدراسة الأكاديمية النقدية التي توزعت بين منحنى انطباعي ونزعة تاريخية ونقد تقويمي ونزعة تفسيرية.

والعينة التمثيلية التي اخضعها للنقد تشتمل على أربعة باحثين هم: جلال الخياط وعلي عباس علوان ويوسف الصائغ ومحسن اطيمش خص الثلاثة بدراسة مستقلة وأتبعها بدراسة تخصصت بكتاب دير الملاك لمحسن اطيمش متتبعا الحسنات والمزالق. ومما أخذه الناقد ثامر على النقد الأكاديمي عدم اقترابه من إشكالات المرحلة الشعرية فظل هذا النقد أسير التاريخية مما سبب له ضيق الأفق والنظرة السلفية الجامدة والتزمت والانتقائية، واستثنى من ذلك نقود الدكتور علي جواد الطاهر لجرأته في نقد الأكاديمية وحججها الواهية ضد دراسة المعاصرين من الشعراء.

ومن الاطاريح التي وجد فيها الناقد فاضل ثامر انعطافة مهمة في نقد الشعر وجهت أنظار الأكاديمية صوب هذه القضية أطروحة د. عباس ثابت بعنوان (النقد الأكاديمي في الرسائل والاطاريح الجامعية) وقد اتبعتها دراسات تماثلها كاطروحة (شعر سعدي يوسف في الخطاب النقدي الأكاديمي) لعلي هادي حسن والأخرى(النقد الأكاديمي في العراق جامعة الكوفة أنموذجا) لميثم عبد حاجي الحياوي.

واليوم تحتاج النقدية الاكاديمية رصدا مرحليا لمنجزها في نقد الشعر لاسيما في العقدين المنصرمين من القرن الحادي والعشرين كي نقف على حقيقة ما أدته من دور في تقييم الحركة الشعرية المعاصرة وهل تتبعت ظواهرها وأهم الاسماء والتجارب والانجازات فيها؟ وما ملامح الواقع الشعري في العراق التي حددتها كتحولات او اخفاقات؟.

بدءا علينا تحديد أشكال نقد الشعر العراقي أكاديميا وهي على نوعين:أولا / الرسائل والاطاريح المتخصصة في الادب الحديث. وثانيا / الكتب النقدية التي يؤلفها أكاديميون يسلطون الضوء فيها على مناح نظرية أو تطبيقية تخص الشعر العراقي اما بجمع ابحاثهم النقدية التي نشروها في مجلات محكمة ورصينة أو مجلات أدبية وثقافية أو بتخصيصها في شاعر او مجموعة شعراء.

فأما الرسائل والاطاريح فأغلبها يأخذ من الشعر المعاصر ظواهره الفنية أو قضاياه الفكرية أو رؤاه الحداثية أو يتم تناول مجموعة شعراء، ومنها ما يدرس شعر شاعر بعينه مخضعا منجزه الكامل للدراسة أو بعضا من منجزه. بيد أن المعايير التي كانت تقوم في السابق على ما عند الشاعر من عطاء لم تعد مهمة فلا يرتكن اليها في دراسة هذا الشاعر او ذاك.

وأما الكتب الاكاديمية المؤلفة حول الشعر المعاصر فأغلبها ينشغل فيها الاكاديمي في دراسة شعر شاعر واحد او مجموعة شعراء بالتطبيق الممزوج بالتاريخية حينا والسير على المنوال حينا اخر. ولكن لا نعدم كتبا اهتمت برصد التحولات الحداثية وما بعد الحداثية او تتبع ظواهر الشعر العراقي الراهن. وقليلة هي الكتب التي تتخذ صيغة النقد الجماعي المشترك لشاعر أو مجموعة شعراء أو لموضوع شعري محدد.

وليس جزافا القول إن جهد النقدية الاكاديمية في دراسة الشعر العراقي انصب في الغالب على التجارب الشعرية الرائدة وما بعد الرائدة وكذلك التجارب التي عاصرت ما بعد الرواد. اما دراسة التجارب الشعرية الراهنة فلا يقوم على اسس واضحة تميز هذا الشاعر عن ذاك أو تحدد نضجه الابداعي، بل هي العشوائية التي تحكمها النفعية والاعلامية حينا والمحاباة والمحسوبية احيان كثيرة.

وهكذا دُرست اسماء لم تضف للشعرية المعاصرة اي شيء بل ان هناك اسماء دُرست مع ان نصوصها تحفل بالسطحية والاخطاء النحوية وركاكة الصور ونمطية البناء والمضامين وبما لا يسمح حتى بكتابة مقالة واحدة في مثل هذه النصوص.

وعلى الرغم مما تقدم فان النقدية الاكاديمية انخرطت في المشهد الثقافي واستطاعت ان تحرز لها موقعا وتخطو خطوات معينة لكن ذلك لا يعني ان هناك فاعلية في التاشير والفحص والاسهام الفعلي في رصد التجارب الشعرية وتقويمها وفحص ابعادها من ناحية التشكيل او التجنيس او ايلاء الجانب النظري اهتماما او مواكبة التجديد المنهجي ومتابعة التوجهات ما بعد الحداثية المنهجية وغيرها.

ولقد انعكس التوسع في أعداد المقبولين للدراسات العليا في اقسام اللغة العربية سلبا على الأكاديمية النقدية فاخذت موضوعات نقد الشعر تجتر نفسها ولا تولي الجدة والابتكار اهتماما حتى اننا لا نكاد ان نجد في عشرات الرسائل والاطاريح سوى واحدة فيها بعض الاضافة النوعية هذا بغض النظر عن فتور عام وواضح في التحلي بروح المغامرة والتمتع بالجرأة في تبني موضوعات شعرية جديدة باستثناء ما هو نادر وقليل.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced