بيان لجنة العمل اليساري الكردستاني المشترك: ما يحتاجه العراق قانون موحد للأحوال الشخصية على أساس المواطنة.. بعيداً عن الطائفية والمذهبية
نشر بواسطة: mod1
الأحد 04-08-2024
 
   

في خطوة متوقعة، قدّم مجلس النواب العراقي في الاسبوع الماضي مسودة قانون من شأنه انهاء العمل بقانون الاحوال الشخصية العراقي 188 لسنة 1959 المعدل، من أجل اقرارها في جلسة خصصت لهذا الغرض، غير ان الاعتراضات الواسعة من قبل الأطراف والشخصيات المدنية والمنظمات النسوية في العراق واقليم كردستان، والموقف الواضح من قبل جمهرة من أعضاء مجلس النواب العراقي، نجم عنه تأجيل النقاش والبت في تلك المسودة.

ان مساعي النخبة السياسية الحاكمة في العراق باتجاه انهاء قانون الاحوال الشخصية النافذ، بدأت منذ بداية العملية السياسية في العراق عام 2003، حيث جرى في مجلس الحكم اتخاذ القرار 137 عند تولي عبد العزيز الحكيم رئاسة المجلس المذكور للعودة الى الفقه المذهبي والتوجه الطائفي، وقد اتخذ إقليم كوردستان آنذاك موقفاً معاكساً واضحاً حول تمسكه ببنود قانون الاحول الشخصية.

الجدير بالذكر ان وجود قانون موحد للأحوال الشخصية في الدولة العراقية يعتبر من منجزات ثورة 14 تموز عام 1958، ولذا فان المسعى الأخير لإلغاء هذا القانون في مجلس النواب، استمرار للموقف السياسي للنخبة الحاكمة ومجلس النواب العراقي المناوئ لتلك الثورة وإلغاء يوم 14 تموز من قائمة العطل الرسمية، بخلاف ما جرى تبنيه من قبل الشعب باعتباره يوماً وطنياً للدولة العراقية.

إن جوهر المساعي المبذولة نحو إنهاء قانون الأحوال الشخصية، وما يجري من محاولات من قبل البعض في اقليم كردستان بتقديم الشكاوى الى المحكمة الدستورية ضد التعديلات ذات الطابع المدني الهادف لتحقيق التوازن والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وحماية الأسرة في القانون المذكور، والتي جرى تشريعها من قبل البرلمان الكردستاني عام 2008، يندرج ضمن التوجهات السياسية الرامية للعودة الى قيم ومفردات الفقه المذهبي والطائفي والتقاليد البطرياركية، والتوجه نحو هيمنة أحكام المؤسسات الدينية المتنوعة والمختلفة مع بعضها، والتي كانت في السابق وفي سياق مراحل تاريخية وضمن ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية، وفق الوعي الاجتماعي السائد آنذاك، كانت لها قراءات لطبيعة المشاكل المثارة ومعيار معالجتها في نطاق فهم النصوص الدينية المقدسة، غير ان التغييرات في طبيعة الإشكاليات التي تحدث الآن في مجال الأحوال الشخصية في الحياة المعاصرة، والمعايير اللازمة للحلول المتوازنة والعادلة، تتناقض مع التمسك بأحكام لا تأخذ بنظر الاعتبار عامل الزمن والمكان والمتغيرات التاريخية في المجتمعات البشرية.

لقد جرى تشريع قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 تعبيراً لضرورات سياسية واقتصادية واجتماعية. وقد ورد في الاسباب الموجبة لتشريع ذلك القانون: (لم تكن الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية قد شرعت في قانون واحد، يجمع من أقوال الفقهاء ما هو المتفق عليه والأكثر ملاءمة للمصلحة الزمنية، وكان القضاء الشرعي يستند في إصدار أحكامه الى النصوص المدونة في الكتب الفقهية، والى الفتاوى في المسائل المختلف عليها وإلى قضاء المحاكم في البلاد الإسلامية.

وقد وجد إن في تعدد مصادر القضاء واختلاف الأحكام، ما يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة، فكان هذا دافعاً للتفكير بوضع قانون يجمع فيه أهم الأحكام الشرعية المتفق عليها. وقد اشتمل القانون على أهم أبواب الفقه في الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية الجامعة لمسائل الزواج والطلاق والولادة والنسب والحضانة والنفقة والوصية والميراث).

اعتمدت مواد القانون المذكور على نهج يضمن الاستفادة من كافة المذاهب الفقهية، والتوجه لصياغة مواد قانونية من خلال الاستفادة من التنوع الموجود في الاحكام الفقهية، واختيار ما يتوافق مع مسألة التوازن بين حقوق الافراد والاطراف الى حد معين.

ترجع خلفية معاداة قانون الأحوال الشخصية الى انقلاب البعث في 8 شباط عام 1963، وتزايدت وتائر المعاداة تزامناً مع استمرار الاستبداد السياسي والديكتاتورية والحروب الكارثية، وكان من نتائجها التعديلات التي جرت بالضد من حقوق المرأة في مجال الأسرة، ويأتي ما يجري اليوم من مساع وتوجهات لإلغاء قانون الاحوال الشخصية ضمن مخطط منظٌم وموجه ضد التوجهات المدنية في المجتمع، والتراجع عن مكتسبات جرى تحقيقها في السابق والعودة الى سيادة عقلية لإعادة انتاج مفاهيم بالية عفا عليها الزمن، تبرر انتهاك حقوق النساء بعيداً عن الاخذ بنظر الاعتبار الواقع والزمن المتغيرين.

نحن في لجنة العمل اليساري الكردستاني المشترك نعلن دعمنا لبقاء قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1958 والتعديلات التي أجراها برلمان اقليم كردستان عام 2008 ونرى ان الغاء هذا القانون من شأنه احداث حالة من عدم الاستقرار في المجالات المتعلقة بحقوق الاطراف والأفراد في مجال الاحوال الشخصية. وبالتالي لا نجد بديلاً عن قوانين عامة مجردة مبنية على أساس المواطنة، بعيدا عن الفقه المذهبي والطائفي، والذي يمكن أن يخلق حالة من أحكام متباينة في قضية معينة.

ان التعددية المذهبية في مجال الاحوال الشخصية من شأنها أن تؤثر على مفهوم العيش المشترك وخلق ألغام تؤدي في المطاف الأخير الى تقسيم المجتمع والعوائل العراقية وفق هويات مذهبية وطائفية مغلقة ومنعزلة عن الآخر، وأجواء تهيمن فيها المراجع ومؤسسات الفتوى على ارادة الناس في خياراتهم وعلاقاتهم الأسرية التي يجب أن تنظم في دولة القانون والمؤسسات الدستورية، وفق سيادة قيم ومفهوم المواطنة وغلبتها على الهويات الفرعية.

إنّ العلاقات الاسرية بين أطراف المذاهب المختلفة في ظل سيادة الفقه المذهبي المتنوع من شأنه تعميق الخلافات والمشاكل الأسرية، وخاصة ما يتعلق بحقوق المرأة والطفل وقضايا الطلاق والميراث، وإمكانية تغيير الانتماء المذهبي والطائفي بنية استحصال حكم شرعي تؤدي الى الإضرار بالآخر، في وقت لا يمكن تحقيق هذا الأمر بوجود أحكام موحدة في قانون موحد للأحوال الشخصية.

كما لا يمكن أن لا نأخذ بنظر الاعتبار الاشكالية التي قد تحدث في المحاكم الشرعية ان جرى إقرارها والصعوبة الناجمة من عودة القاضي الى الكتب والمصادر في فقه مذهب معين، في وقت تذكر الشواهد والحقائق التاريخية في هذا المجال عدم مقدرة و إمكانية مذهب معين لوحده في بعض القضايا، في استنباط حكم لتحقيق العدالة في ظرف تاريخي معين.

ان ما يميز الحياة الاجتماعية في الدولة المعاصرة معرفة الأفراد لحقوقهم وواجباتهم في العقود التي يبرمونها بما في ذلك عقد الزواج. لذا فان العودة الى الفقه الطائفي والمذهبي في مجال الأحوال الشخصية لا تتوافق مع دولة القانون والمؤسسات الدستورية.

إن وجود القانون الموحد للأحوال الشخصية يعد من المكتسبات الهامة في تاريخ التشريع للدولة العراقية، ومن مهام القوى المدنية والمنظمات المدافعة عن حقوق النساء والشخصيات المدنية الديمقراطية العمل على حماية هذا القانون، والتوجه نحو تعديلات ديمقراطية تقدمية مدنية تضمن التوازن في الحقوق ضمن التوجه نحو المساواتية.

لجنة العمل اليساري الكوردستاني المشترك (الحزب الشيوعي الكردستاني، حزب كادحي كردستان، الحركة الديمقراطية لشعب كردستان)

* نشرته «ريكاي كردستان»

صحيفة الحزب الشيوعي الكردستاني 24/7/2024

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced