هاجس "الشهادة" يتفوق على هموم التلاقح والاكتشاف
ليسمح لي القارئ بأن أنطلق من واقعة سبق لي أن كتبت عنها في حينها: فخلال إحدى دورات معرض فرانكفورت للكتاب، خصّ أحد المستعربين الألمان الأكفاء، الذي يُعدّ من بين من لهم دراية واسعة باللغة العربية، وباعٌ طويل في نقل الثقافة العربية إلى اللغة الألمانية، خصّ إحدى الصحف العربية باستجواب دالّ من بين ما جاء فيه اعترافه شاكيا: "لم أتلقّ مكالمة شكر واحدة على ما بذلته لفترة طويلة تجاوزت العقود الثلاثة".
تطرح شكوى المستعرب الكبير أسئلة عدة لعلّ أهمّها: لو كان المترجم الألماني نقل أعمالا عن لغات أخرى غير عربية، عن اللغة الإنكليزية أو عن اللغة الفرنسية على سبيل المثل، هل كان سينتظر كلمات شكر؟ وفي حال الجواب نفيا عن هذا السؤال، لماذا تُطرح هنا بالضبط مسألة الاعتراف بـ"الجميل"، وضرورة تقديم الشكر؟ وما سرّ إحساس المستعرب الألماني بأنّه، عندما ينقل النصوص العربية، فإنّه يسدي إلى الناطقين بلغة الضاد معروفا ينبغي أن يكافأ عليه معنويا على الأقل؟
غوته والترجمة
ربما لن تتيسّر لنا الإجابة عن هذه الأسئلة ما لم نخرج عن هذا الإطار الضيّق ونلجأ إلى مقارنة هذا الموقف، ليس بموقف مترجم خارج الثقافة الألمانية، وإنّما بموقف منظّر ألماني لمسألة الترجمة لعلّه يلقي لنا بعض الأضواء على التحوّلات الكبرى التي عرفتها علاقات القوّة بين اللغات في عصرنا، والتحوّل الكبير الذي لحق مفهوم الترجمة والدور المنوط بها.