بانتظار عودة زمان (كم.. يردلي)..غابات الموصل قلادة فرح على صدر مدينة حزينة
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 10-09-2012
 
   
إذا وددتَ أن تعرف حال مدينة، ما عليك سوى التجوال في شوارعها والجلوس في مقاهيها، والمرور على أسواقها، والتحدّث الى أهلها، ولو بصورة غير مباشرة، فمن غير المعقول أن تزور بغداد، وتتعرف على حياة أهلها، من غير المرور برشيدها وسعدونها وكفاحها وأسواقها، وكذلك الحال بالنسبة لمحافظة نينوى،
فمركزها الموصل هو من يعكس حالة الترف أو القرف الذي يعيشه المواطن الموصلي في جميع الأقضية والنواحي، لأن المركز هو البارومتر للمستوى المعيشي الذي ينعم به سكنة أية محافظة من المحافظات في ظل التجربة العراقية الجديدة.
اللهجة الموصلية وصعوبة الفهم
توجهنا صوب أحد المقاهي الشعبية في منطقة باب جديد التي هي  إحدى المناطق الشعبية التي تتوسط مركز المدينة، جلسنا بجانب رجل هو في الحقيقة من تعرّف علينا بعد أن عرف نحن من بغداد، وان أقرباءه في منطقة الزميل محمود، أبو ليث رجل كبير بالسن وضابط سابق في الجيش العراقي - كما يقول - وصاحب محال  في منطقة باب جديد ، تحدث معنا بلهجة قريبة للبغدادية ، لأنه يعرف صعوبة فهم اللهجة المصلاوية اذا ما طبقت بحذافيرها، يبين ان اللهجة الموصلية هي نتاج لما تعرضت له الموصل من احتلالات تركية وعربية، فضلا عن تأثرها باللغة السريانية التي كانت هي الشائعة أيام الإمبراطورية الآِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِشورية، ثم احتلها الساسانيون وبعدهم جاء العرب الذين بدخولهم أيضا دخلت مفردات فارسية، ومن ثم جاء الاحتلال  العثماني وتلاه الانتداب البريطاني الذي دخلت معه مفردات انكليزية وفرنسية. واللهجة الموصلية صعبة الفهم على مستمع حوار يدور بين شخصين من الموصل، وهي تشبه الى حد ما لهجة أهالي الدور وتكريت وحديثة، وحتى اليهود العراقيون كانوا يتكلمون بها، وأي شخص من المحافظات العراقية الأخرى يمكن تمييزه عن أهل الموصل من خلال لهجته.
مملكة حرف القاف
وأنا اشرب الشاي مع أبو ليث كنت استمع إلى حديث المواطنين داخل المقهى، فكانت حصة الأسد في الحديث هي لحرف القاف، بينما الظلم والتهميش يقع كليا على حرف الراء، الذي يتحول عندهم الى حرف الغين، واحيانا يقلبون السين الى صاد، مثلا كلمة عروس تلفظ على لسانهم عغوص، وأحيانا يقلبون  حرف الراء المسكين واواً مثلا كلمة عرق تصبح عوق، ويقومون أيضا بتحويل التاء المربوطة إلى ياء، مثلا فوزية تصبح فوزيي، وفاطمة تصبح فاطمي، وأحيانا - والكلام لابو ليث- يدخلون حرف الواو على كلمات معينة مثلا أبي يلفظونها أبويي، وأخي أخويي، ومثل ما توجد عند البغاددة كلمة "عاد" وفي  الجنوب كلمة "جا" عند أهل الموصل تأتي كلمة "زا"، وكذلك كلمة "زه" وتعني "عفية" وجميعها ليست لها معنى في اللغة العربية، وهي نتيجة طبيعية للاحتلالات التي مرت بها الموصل.
المحافظة ومحنة البطالة
يبين أبو ليث أن المحافظة تعاني البطالة وذلك لتوقف اغلب معاملها عن الإنتاج، لذا تجد أن اغلب مواطنيها هاجروا المدينة باتجاه الإقليم والى العاصمة بغداد بحثا عن العمل، وشكا من ارتفاع الأسعار في المحافظة مقارنة بمعدل دخل المواطن اليومي، لكن ما لاحظناه بعد مغادرتنا أبو ليث الذي أصر على دفع شاياتنا يشير عكس ذلك، فمثلا وجبات المطعم كانت رخيصة إذا ما قورنت بمطاعم بغداد، فسعر نفر الكباب  أو التكة او المعلاق في باب جديد كان بخمسة آلاف دينار، وكذلك لبقية المواد الكمالية والغذائية وهذا الأمر اطلعنا عليه حين توجهنا من باب جديد باتجاه أشهر شوارع الموصل سابقا وليس حاليا وهو شارع الدواسة، الذي كان يتربع على قمة شوارع نينوى بمطاعمه، بمحال الأزياء، بدور السينما، بالكرزات ، بشربت الزبيب، بالحلويات، كل شيء كان في هذا الشارع يرسم لك صورة ترف عراقي لا يمكن أن ينسى او يتكرر، شباب تجد على ملامحهم عشق الحياة، وبمرحهم تمتزج سعادة الصبا بكل تجلياتها.
كم يردلي.. وسعدي الحلي
هنا كان أكثر من محل للتسجيلات ،وهناك  على هذا الرصيف سكنت بمسامعي أغنية الفنان الموصلي زكي إبراهيم "كم يردلي.. يردلي سمر قتلتيني... خافي من رب السما .. وحدي لا تخليني.. انتي على دينك .. وانا على ديني"، والأغنية هذه هي ترجمة حقيقية  لحكاية وقعت في الموصل كما رواها لي صديقي القديم نشوان الذي أتمنى ان يكون بخير دائم، وتفاصيلها أن شابا مسلما فقيرا أحب فتاة مسيحية مترفة اسمها سمر، فمنعهما الاختلاف الديني وكذلك التمايز الطبقي عن الزواج لذلك كان يقول لها في الأغنية "شرباتكم بارده واسطوحكم عالي... والله قتلني العطش بالله ارحمو حالي.. ابوك يا سمر اسف.. ماجا على ديني... صومي خمسينتك.. وأصوم ثلاثيني"، وأغان موصلية أخرى فضلا عن أغاني سعدي الحلي الذي لديه شعبية واسعة في مركز المحافظة وكذلك في مناطق الريف الموصلي، وطيلة بقائي في تلك المحافظة الذي استغرق ثماني سنوات، لم أتعرض لسؤال هل أنت سني أم شيعي سواء من صديق أو صديقة بل كنا نعيش تحت خيمة الحب كعراقيين.
السرجخانة
تنافس الدواسة بالحزن
الدواسة اليوم قطعت شارعها القوات الأمنية سواء من الجيش أو الشرطة بالحواجز  الكونكريتية وبتواجدهم الدائم في الشارع الذي حرمت فيه حركة السيارات، فضلا عن وجود بناية المحافظة هناك ومقر مديرية الشرطة العام، والشارع الذي كان ممتلئاً بالناس وجدته اليوم خاويا إلا من أصحاب المحال وبعض المتبعضين، مطعم كويسنجق الذي كانت رائحة كبابه تشمها من أمتار بعيدة، وجدته في الساعة التاسعة مساءً مغلقا أمام الزبائن، ولا يختلف عنه شارع السرخانة الذي كان قبلة النساء الموصليات بالتبضع واقتناء آخر الموديلات العالمية بالأزياء والعطور والكماليات النسائية الأخرى، اليوم تراه يشارك شارعي الدواسة وحلب في الحزن والحنين لماض مترف وحياة احلى من السحر،نعم الموصل في الزمان الذي عشته اجمل وابهى في كل شيء، ولا ادري لماذا نحن الشعب الوحيد بين شعوب العالم نحنُّ دائما لايام الماضي ،ونتمنى عودتها لا ندما على ما فات من العمر، ولكن ندما على واقع نتمناه إلا يكون وهو واقعنا الآن، في حين أن جميع الشعوب ترنو وتعمل من اجل خلق واقع غدها بحيث يكون أجمل من يومها، اما نحن في الغد سنندم على يومنا هذا، والعلة في الساسة الجدد الذين يقودون البلد بطريقة التقدم الورائي، من خلال العودة بنا إلى عصور الظلام والتخلف بأوامر من أجندات خارجية غايتها وهدفها الرئيس بقاء العراق في زاوية التخلف والدمار.
الهروب صوب الفخفخينه
خرجنا من الدواسة وهمومها واتجهنا صوب الغابات حيث ننتظر هناك زميلنا خالد، وبالفعل وصل بالموعد المحدد وطلب حال وصوله من العامل آركيلة، وهي من الأمور الشائعة في مقاهي وكازينوهات الموصل، أما انا ومحمود فقد طلبنا (فخفخينه)،والفخفخينة كوكتيل فواكه طبيعي مع الآيس كريم وتكون بشكلها مشابهة للآركيلة بحيث يتم شربها بقصبة مشابهة لقمجي الآركيلة، ولكن حجمها في الكأس مبالغ فيه وتحتاج إلى شخص آخر يشاركك فيها من اجل نفادها كليا، خرجنا من الكازينو واتجهنا صوب قاعة وكازينو شاطئ القبطان لتأجير الزوارق والقوارب في دجلة، وللأمانة أقولها ان الصور الجميلة والزاهية آنستني حزني على ما آلت إليه الأمور في الكثير من أسواق وشوارع الموصل، فكل شيء في الغابات يبعث على الأمل بعودة الحياة الى هذه المدينة الحبيبة. استقبلنا بكل حفاوة الصديق عمر عند باب الكازينو الفاره بكل ما فيه، اخضرار ارضية المكان عطر الياس والناس يختلط مع دخان الاركيلات والمشويات ليشكل لنا كوكتيل رائعا من الروائح والعطور.
صباح فخري
في يخت على دجلة
جلسنا مع عمر الذي راح يحدثنا عن كيفية تحسن الأوضاع الأمنية في هذا المكان وحركة العمل قائلا :"الأمور تحسنت بعد أن كانت كارثية مع بداية الحملة الأمنية بتنفيذ خطة فرض القانون عام، 2007 حيث كانت لها مردوداتها الايجابية على حياة المواطنين في المحافظة، فنحن في عام 2005 قمنا بتأسيس هذا الكازينو وبدأت الأمور بالتحسن مع تنفيذ تلك الخطة، ويبين عمر وهو يشير إلى احد اليخوت بان هذا اليخت يعمل منذ عام 1971 في كازينو النهر الذي كان يمتلكه جدي، والآن اسمه أصبح شاطئ القبطان، يوضح عمر أن الإقبال في كل عام يزداد فقبل عامين كان المكان محصورة زبائنه من داخل المحافظة فقط، أما الآن فالزبائن من إقليم كردستان وكذلك من بقية محافظات العراق ومن العاصمة بغداد، فعندما يأتوك سياح من البصرة والرمادي وكركوك والعمارة والنجف والإقليم، فان هذا اكبر دليل على ان الوضع الأمني في المحافظة جيد ويسير بالاتجاه الصحيح كما يقول عمر، وعن نوعية الأغاني الذي تقدم في الكازينو أو اليخوت يقول  قبل المغرب أغاني الشباب مثل وائل جسار وغيرها، لكن بعد صلاة العشاء تكون الأغاني لام كلثوم  أو ميادة وكذلك القدود الحلبية لصباح فخري، وعمر يتحدث عن صلاة العشاء وذكر صباح فخري تذكرت أغنيته (قل للمليحة بالخمار الأسود . .ماذا فعلت بناسك متعبد... قد كان شمر للصلاة ثيابه.. حتى وقفت له بباب المسجد).
سفرات نهرية للطلبة
يقول عمر انه في أيام رمضان تبقى بعض الكازينوهات مفتوحة حتى الساعة الثالثة صباحا، اما في الأيام العادية فتبقى مفتوحة حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، واثناء بدء الدوام الدراسي  تكون الحركة اكبر لقيام الجامعات والمدارس بسفرات نهرية لطلبتها، وعن صيد الأسماك في دجلة يبين أن الصيد في دجلة ممنوع كليا بأمر من الدولة ، ولها الحق في ذلك لان بعض الصيادين يقومون للأسف بكهربة النهر وهذا الأمر يمنع السمك الصغير من الازدياد في الحجم، وكذلك يحرمها من عملية التكاثر، وهذا يشكل ضررا كبيرا على الثروة الحيوانية في الموصل، وهناك بديل آخر هو تربية الأسماك في البحيرات الأهلية  التي يقوم أصحابها برفد السوق بهذه المادة الغذائية، ونحن كمواطنين مع عملية منع الصيد بتلك الطريقة.

قبلة للفضائيات
وعن الأوضاع الأمنية يوضح عمر انه من غير الممكن لأي مواطن ان يجلب عائلته إلى هذا المكان والأوضاع الأمنية غير جيدة، وإذ هو يشير الى عوائل تفترش مقاعد الكازينو الكبير، يقول انظر إلى تلك العوائل وأنت تعرف مستوى الأمان الذي وصلت اليه الموصل، مضيفا ان عددا كبيرا من المسؤولين وكذلك القوات الأمنية اثناء استراحتهم يقومون بسفرات مختلطة مع المواطنين وهذا مؤشر كبير على تحسن الظروف الأمنية.
وعن أعداد اليخوت والزوارق المستخدمة من قبل متنزه شاطئ القبطان يؤكد ان هناك أربعة يخوت و(15) زورقاً في خدمة المواطنين،ويرى أن اغلب العوائل تفضل اليخت على الزورق لكونه بطيء الحركة في النهر على العكس من الزورق السريع والذي يجذب شريحة الشباب إليه لتوفر الأغاني السريعة فيه، والتي تدفع بعضهم الى الغناء والرقص، والكثير من العشاق يرتادون المتنزه، فضلا عن كون الكازينو أصبح قبلة للفضائيات وحتى لتصوير الكثير من الأغاني، وقبل ايام سجلت مجموعة من الاطفال أغنية لهم في المتنزه – وبينما عمر يتحدث - سرقتني الحان الطرب إلى أيام زمان حيث كانت الأفراح والأعراس الموصلية لها تقاليد وطقوس خاصة وأهازيج بلهجتهم الخاصة والمتميزة، متذكرا واحدة منها حيث كانت تردد في يوم الحنة الذي يسبق ليلة العرس (دقومي ياميمتو... واتباهي بقامتو.. هذا ذنون المدلل ..والليلة حنتو).

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced