في الجهة الملاصقة لشارع المتنبي قرب المنطقة القديمة من بغداد التي تضم عدداً من المعالم التاريخية المهمة كالقصر العباسي وساحة القشلة والمدرسة المستنصرية، يقع المتحف البغدادي الذي يضم تراث بغداد القديم وعاداته وتقاليده ومهنه، وأنشئ في إحدى المباني التي تعود لحقبة الدولة العثمانية، وتعتزم الحكومة العراقية تجديده.

ويظهر في المبنى البغدادي طراز بغداد القديمة بأروقتها وغرفها ونقوشها وأبوابها الخشبية، إذ تحكي كل غرفة من غرفه جزءاً من تراث يعود لعشرات السنين بأسواقها وأفراحها وأحزانها وحياتها الاجتماعية في كل تفاصيلها، حتى مهنها القديمة التي انقرضت معظمها موجودة في إحدى أجنحته.

ذكريات أهالي بغداد

يستعيد علي حنظل، من مواليد أربعينيات القرن الماضي، كثيراً من ذكريات طفولته عندما يتجول في أروقة المتحف البغدادي، وزاره أخيراً، ويقول "أجاد الفنان العراقي سرد حكاية بغداد القديمة بكثير من تفاصيلها، فعند تجوالي في المتحف أتذكر كثيراً من الحكايات في تلك التماثيل، فهي تكلمت عن الواقع البغدادي في حقبة خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي".

ويأمل حنظل أن يجلب أطفاله في المرة المقبلة ليروي لهم قصص بغداد القديمة من خلال هذه التماثيل التي ستتكلم نيابة عنه.

ويبدو أن قدم كثير من التماثيل المصنوعة من الجبس دفع أمانة بغداد إلى التفكير بإعادة إحياء المتحف من جديد بتجديد يتلاءم مع الحداثة، بعد آخر تجديد للمتحف يعود لعام 2019، إذ وجه أمين بغداد عمار موسى كاظم، بإعادة تأهيل وصيانة المتحف البغدادي وإحيائه كمركز سياحي وتراثي مهم وسط العاصمة بغداد.

وقال كاظم في بيان إن "المتحف البغدادي هو أحد أهم الأبنية الموجودة في العاصمة بغداد وهي من البنايات التاريخية التي شيدت عام 1869 وما زالت قائمة بعد الحفاظ عليها من أمانة بغداد".

وأضاف "وجهنا بإعادة تأهيل كامل للمتحف بعد اطلاعنا على واقعه بهدف إحياء تاريخه وإرث وتراث العاصمة بغداد"، مؤكداً "حرص الحكومة اليوم على إعادة إحياء معالم المدينة وتاريخها، إضافة إلى المشاريع الخدمية التي تنفذ بغية الارتقاء بواقعها ومشهدها الحضري".

وتابع كاظم "كما وجهنا بتشكيل فريق متخصص بشكل عاجل لصيانة وتأهيل أروقة المتحف بالكامل وإعادة إحيائه من جديد، مع الحفاظ على طابعه التراثي ومشاهده التي تذكر بتاريخ وتقاليد ومهن وحرف وعادات ماضي بغداد الجميل".

وأشار إلى أن "المتحف سيبقى مفتوحاً أمام المواطنين ويستقبل طلبة المدارس والوفود المحلية والأجنبية، وبعد إنجاز تأهيله سيعود مركزاً سياحياً مهماً في العاصمة بغداد".

تماثيل متحركة

من جهته بين مدير المتحف البغدادي السابق جاسم سدخان أن المتحف بحاجة إلى تجديد للتماثيل الجبسية لتكون مصنوعة من السيليكون ومتحركة، فضلاً عن تجديد بنايته القديمة التي يصل تاريخها إلى الحقبة العثمانية.

وقال سدخان "المتحف البغدادي بناء قديم يرجع تاريخه إلى القرن الـ19 واستخدم كمطبعة للدولة العثمانية، وفي ستينيات القرن الماضي ظهرت فكرة إنشاء متحف لتراث بغداد من أمانة العاصمة ليكون شبيهاً بالمتاحف العالمية، واختيرت تلك البناية مقراً له"، مشيراً إلى أن البداية كانت بسيطة، وعبارة عن تماثيل محددة وافتتح رسمياً عام 1970 وبمرور الزمن أضيفت مشاهد جديدة.

وأوضح أن "هناك كوادر مميزة في المتحف البغدادي، وفي عام 2019 طور من خلال إضافة تماثيل متحركة، والكادر العراقي أبدع في صناعة تماثيل من مادة السيليكون حتى لا تتأثر بالظروف الطبيعية على عكس التماثيل المصنوعة من الجبس التي تؤثر فيها الحرارة والرطوبة فمادة السليكون تكون شبيهة ببشرة الإنسان".

وتابع أن "عدد التماثيل في المتحف كثيرة وبحاجة إلى دعم مالي ومعنوي، فضلاً عن أن المتحف بحاجة إلى عملية تأهيل مستمرة نظراً إلى انخفاض بنايته تحت مستوى الأرض مما يزيد من الرطوبة".

واقترح سدخان إضافة متحف ثان متخصص بالتماثيل المتحركة أسوة بالمتاحف العالمية في جانب الكرخ من بغداد، قائلاً "لا بد من إنشاء تماثيل جديدة لا سيما أننا نملك كوادر ونحاتين مبدعين".

متحف جديد

الباحث التراثي عادل العرداوي شدد على ضرورة إنشاء متحف تراثي آخر في جانب الكرخ من بغداد، مشيراً إلى أهمية ترميم المتحف البغدادي.

وقال العرداوي إن "المتحف البغدادي يتحدث عن تراث بغداد القديم وعادات وتقاليد العراقيين وأنشئ على مبنى قديم في أيام الوالي العثماني مدحت باشا، ولذلك يجب إعادة ترميمه وصيانته وتجديد تماثيله".

وبين أن "قاعات المتحف وغرفه امتلأت بالتماثيل ونحن نفكر بفتح متحف آخر في جانب الكرخ من بغداد (الجانب الغربي من ضفة نهر دجلة) من أجل إضافة كثير من المشاهد البغدادية القديمة من خلال تخصيص أحد بيوتات بغداد التراثية في جانب الكرخ لجعله متحفاً".

واقترح العرداوي إضافة شخصيات ثقافية بغدادية وشعراء مثل محمد القبنجي وملا عبود الكرخي وحقي الشبلي وأسماء عديدة أخرى وكذلك رياضيين وفنانين تشكيليين، ولفت إلى أن الحياة البغدادية ثرية بالأسماء والحكايات والفولكلور والتاريخ، ويمكن تجسيد كل ذلك في المتحف.