حرية مشروطة... ذلك ما تتمتع به المرأة في بلادنا!
نشر بواسطة: Adminstrator
الخميس 22-07-2010
 
   
نهلة ناصر
رحلتي لم تتوقف عند حدود الجامعة. كنت ارغب في سماع آراء أصحاب المحال الذين يروجون للازياء الحديثة، فالتنورات القصيرة والـ"البديات" والبنطلونات تملأ فاترينات المحال، وتغري مرتادي الاسواق، والفتيات على وجه الخصوص. وكذلك رأي النساء اللاتي يبتعن الملابس الجريئة وكيف يواجهن التعليقات والمضايقات التي يتعرضن لها. ورأي القانون من اولئك الذين يضايقون المرأة ويحاولون الحد من حريتها باساليب شتى، وما هي الاجراءات القانونية التي على المرأة ان تتخذها عند تعرضها للمضايقات.
أصحاب المحال لهم رأيهم
سألت جاسم محمد، صاحب محل لبيع مثل هذه الملابس، كان يبدو في العقد الثالث من عمره:

هل ترى المرأة حرة في اختيار ملابسها؟

- ليس تماماً. تأتي النساء الى محلنا ويخترن هذه الازياء "الجريئة". ولكن اعتقد انها تبقى محرجة عند ارتدائها والخروج بها الى الشارع.

< الى ماذا ترجع السبب؟

- طبيعة المجتمع لا تشجع فتياتنا على هذا النوع من الملابس، ومع ذلك ترين ان الشارع يضم نماذج مختلفة من النساء، فهذه التي ترتدي المحتشم وتلك التي تتحدى فتلبس ما تشاء.

< هل تشجع ابنة عائلتك ان تلبس هذه الازياء؟

- بالتأكيد لا، واعتقد اني احميها لاجنبها التعرض للاساءة في الشارع.

< ولكنك تروج لهذه البضاعة؟

- انه عملنا ومصدر رزقنا.

اما ثائر زكي، ذو العشرين عاماً، وهو احد عمال المحل فيقول:

- المرأة ليست حرة، فنحن تربينا على تقاليد لا تسمح للمرأة ان تتصرف كيفما تشاء في كل الامور، ومنها الملبس.

< ولكنك يا ثائر تماشي الموضة بطريقة ترتيبك لشعرك والـ"بدي" الضيق وبنطلونك الجينز.. فلماذا تمنع الفتاة ان تمارس حريتها، في ملبسها على الاقل؟

فأجاب مبتسما وبكل ثقة:

- آني ولد وعندي كامل الحرية في ما ألبس او افعل. ومع ذلك اقول ان هناك مناطق مختلفة في بغداد يمكن للمرأة فيها ان تلبس ملابس اكثر حرية مما لو ارتدتها في المناطق الشعبية او المحافـِظة. فمثلا مناطق المنصور والكرادة، تلاحظين ان الفتيات يتسابقن لارتداء اخر صيحات الموضة.



أحيانا هي الملامة



تركت ثائر للتجول بالقرب من محال اخرى، فصادفت فتاة في الخامسة والعشرين من العمر، ترتدي الحجاب مع تنورة قصيرة و"بدي" ضيق جداً، وتنتعل في قدميها، حذاء باشرطة ملونة لفتها بعناية على ساقيها المصقولتين حتى بدتا كأنهما قدما لعبة. دنوت منها وبعد ان عرفتها بنفسي وسألتها عن اسمها، قلت:

< من اين تشترين ملابسك؟ اجابت وملامح الفرح والاعتداد بنفسها واضحة:

- من الكرادة. ففيها دائما ملابس على المودة وانا اشتريها بعناية فائقة واهتم ايضا بالالوان وتنسيقها.

< ولكن يا سهاد الا تعتقدين ان ملابسك مثيرة وهي تظهر ساقيك؟ كيف تتفادين نظرات الشبان؟

- لا يهمني الشبان. المهم ان ألبس ما يعجبني.

< هل تتعرضين الى المضايقات وكيف تتصرفين.. هل تستعينين برجال الشرطة؟

- نعم اتعرض للمضايقات من قبل الشباب وهم يحتلون اي مكان نذهب اليه، حتى في الاسواق المخصصة لبيع الملابس النسائية، فأين نذهب منهم ونمارس حريتنا في اللبس او التصرف على راحتنا؟! اما عن المعاكسات فانا احاول تجاهل المضايقات والتعليقات التي اسمعها.

وأضافت باستهزاء وحرقة: الى من نشتكي فرجال الشرطة هم ايضا يعاكسوننا، "حاميها حراميها"!

وأثناء تنقلي من منطقة الى اخرى، ازعجني جدا منظر اربعة رجال وقفوا يحملقون بفتاة في العشرين من العمر، وقد اوشكوا ان "يأكلوها" بنظراتهم، مع انها محتشمة في لبسها؛ فتنورتها طويلة جدا وعريضة، مع قميص مرتب فضفاض، وقد رفعت شعرها بمشبك فضلا عن مكياجها البسيط الهادئ. لا ادري لـِمَ كانوا ينظرون اليها؟

الاحراج الذي جعلوها تشعر به، هل سيمنعها من الخروج من بيتها؟ ربما هذا ما يريده الرجال!



من حق الشباب التغيير



ولمعرفة المزيد عن الموضوع سألت د. كامل المراياتي، استاذ علم النفس في الجامعة المستنصرية، عن رأيه بظاهرة تشبث النساء بالموضة، فأجاب:

- ظروف المجتمع أقسى على المرأة مما هي على الرجل. المرأة لا تملك الحرية الكاملة باختياراتها في هذه الحياة؛ ولكن الحرية تختلف من مرحلة الى اخرى، ففي السبعينيات من القرن الماضي كانت المرأة اكثر حرية مما هي عليه الان. ولكن بعد عام 2003 كان للظروف الامنية وانتشار التيارات الدينية دور في تحجيم حريتها، خاصة ما يتعلق بالملبس.

ويضيف: اعتبر ظاهرة تشبث الشباب بالموضة، امراً طبيعياً. فالشباب يجنح الى التمرد والتغيير في كل شيء، ولكن النساء اكثر استعداداً وتشبثاً بالموضة بحكم طبيعة المرأة الانثوية وميلها الطبيعي الى تحسين صورتها، حتى وان كانت جميلة، وقد لا تهتم احياناً للتعليقات والمعاكسات التي تتعرض لها. اما الرجل فيكفيه في اغلب الاحيان المثل القائل "الرجل بأخلاقه".

< شكت احدى الفتيات من تعرضها الى تعليقات جارحة من قبل رجال كبار بالسن.. بماذا تفسر ذلك؟

- بعض الرجال كلما تقدم به العمر تحرر من الالتزامات التي كان مجبرا عليها في فترة ما في حياته، وقد يكون هذا كبتاً يعبر عنه بهذه الطريقة؛ فهو يتذكر ايام شبابه ويحاول تعويضها، ويمكن اعتبار هذه الظاهرة مراهقة متأخرة يمر بها الرجل.

< هل تعتقد بوجوب معاقبة هؤلاء وغيرهم ممن يسيء الى المرأة بأي شكل؟

- اعتقد ان الضمير والقوانين الذاتية النابعة من الدين والاسرة افضل من الحلول الخارجية في ردع مثل هذه التصرفات.



رجال الشرطة يستهزئون بشكاوى التحرش



كان يجب ان نعرف رأي القانون بما تتعرض له المرأة وما الاجراءات المناسبة التي يجب ان تتخذ للحد من ظاهرة معاكسة النساء، لذا اتصلنا بالمحامي جمال جعفر، وسألناه:

< هل هناك قانون يحاسب المتحرش او من يسبب المضايقات للنساء؟

- نعم هناك قانون يحاسب من يتسبب بازعاج النساء ويضايقهن ولكن مع الاسف عقوبته بسيطة وغير مؤثرة، وقد تقتصر على الغرامة واخلاء سبيله. ويشجع على ذلك ان الكثير من النساء لا يعرفن ان لهن الحق برفع دعوى ضد المتحرش، ومن تعرف ذلك تتجاهل الامر وتتجنب الدخول الى مركز الشرطة لتسجيل الدعوى وما يلحق ذلك من متابعات ومراجعات ومحكمة وقاضٍ. في بلدان اجنبية المرأة تفعل ذلك بكل سهولة ولا تتحرج منه لان الانظمة والقوانين مفعلة هناك، فضلا عن ثقافة المجتمع. اما عندنا فالقوانين غير مدعومة ولا تهتم اجهزة الشرطة بتنفيذها وتطبيقها، واحيانا كثيرة يستهزئ رجل الشرطة، الذي من المفترض انه يمثل القانون، بمن تتقدم بشكوى من هذا النوع، هذا اذا لم تتهم هي بالتسبب في الحادثة! يعود ذلك الى مستوى وعي افراد الشرطة اولا، وازدحام المراكز بقضايا تعتبر أهم، من وجهة نظرهم، من قضايا التحرش. واعتقد ان قانون العقوبات يحتاج الى نص خاص يساند المرأة ويدعمها.

ويضيف الاستاذ جمال: هذا القانون بحاجة الى تفعيل بتوعية النساء به وكونه حق من حقوقها، من خلال الاعلام ومنظمات المجتمع المدني. فالمجتمع سيطرت عليه المظاهر العشائرية والريفية وحتى البدوية، وبالتالي هناك تخويف للمرأة لتبقى مسيطرا عليها، لذا يجب عليها ان تحاول تغيير المجتمع كي لا تعطي الفرصة لمن شاء ان يصدر الفتاوى ليقيد حريتها ويقرر مصيرها.

هكذا جاءت آراء شرائح مختلفة من المجتمع، نساءً ورجالاً، وربما هناك آراء اخرى تسمعونها، تؤيد او تخالف ان يكون للمرأة الحرية الكاملة في اختيار ملابسها؛ فحرياتها كما لاحظتم مشروطة بالالتزام بتعاليم الدين وتقاليد المجتمع واحكامه وقوانينه غير المفعـّلة.

لكن ما لم استطع تفسيره: كيف نسميها حرية ما دامت مشروطة؟!

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced