الوركـــاء.. آثارها تئـن وسـط الخـراب والإهمال
نشر بواسطة: Adminstrator
الثلاثاء 30-10-2012
 
   
إنها أمامي الآن  ..هي  ننسون والدة جلجامش أراها وقد دخلت غرفتها وضعت عليها رداءً يُليق بجسمها ،تزينت بحلية تليق بصدرها،لبست تاجها،ارتقت الدرج صاعدة الى الشرفات العليا،وعلى السطح أحرقت بخوراً الى شمش،سكبت ماء القربان ورفعت يديها نحو شمش مخاطبة: لماذا وهبت ابني قلباً مضطرباً، واليوم وقد حفزته  ليمضي في رحلة طويلة الى موطن خمبايا،ليدخل معركة لا يعرف نتائجها،ويقطع طريقاً هو به جاهل ، فالى اليوم الذي به يعود،الى ان يقتل خمبايا الرهيب،فيمحو من الارض كل شرّ تكرهه،لتكن عروسك ،آيا،لك تذكره،وعسى ان توكل به حفظة الليل؟
صحوتُ من حلمي على صوت الشاعر إياد لطيف  متغزلا بمدينته:
أنشد قصيداً على الوركاء ياباء  فأنت من صلبها والشعر وركاءُ
  للآن تشرقُ في الآفاق عاليـــة  زقورة المجد والأمواتُ أحيـــاءُ
أقـدمُ المـدن
إنها مدينة كلكامش وقبل ان نحث الخطى باتجاه مملكته وسفرها الخالد توقفنا عند مركز القضاء وبالتحديد في قائممقامية القضاء لنلتقي بالقائممقام ليبين لنا موقعها وطبيعة سكانها واُصولهم وطبيعة أعمالهم وتكوينهم الاجتماعي.
تقع مدينة الوركاء في الشمال الشرقي لمدينة السماوة وتبعد نحو 18 كم عن مركز المحافظة ،وهي أقدم ناحية تعود الى قضاء السماوة الذي كان يتبع  الى لواء الديوانية سابقا،وتعد الوركاء من كبريات النواحي  في العراق عموما وأكبر ناحية في محافظة المثنى من حيث المساحة والسكان الامر الذي أسهم في تطويرها ورفع درجتها من ناحية الى قضاء وذلك عام 2007،وكما يقول قائممقامها احمد فضالة عبيس  في الكراس الذي ألـَّفه عن الوركاء عندما كان رئيساً  للمجلس البلدي، موضحا بان القضاء يتكون من 118قرية تتوزع فيها عشائر الظوالم والبوجياش والبركات والصفرات وآل غانم وبني زريج  وجزء من عشائر التوبة،وتحد الوركاء من الشمال ناحية النجمي ومن الغرب قضاء الرميثة ومن الجنوب قضاء السماوة ومن الجنوب الشرقي قضاء الخضر ومن الشرق ناحية آل البدير.
الوركاء وثورة العشرين
ويوضح عبيس أن مدينة الوركاء تمتاز بريفها الواسع ويعتمد سكانها على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش،وأهم المحاصيل الزراعية هي: الحنطة والشعير والرز والذرة وزراعة الخضار المغطاة والتي تغطي معظم نتاج السوق المحلي ، كما انها تشتهر بتربية المواشي،ويشير القائممقام الذي استقبل (المــدى) في مكتبه الى ان ثورة العشرين انطلقت من مدينة الوركاء تحت قيادة شيخ قبيلة الظوالم شعلان ابو الجون بعد ان قاد نخبة من اهالي الوركاء والرميثة لتعـمَّ العراق بأكمله.
كان يتحدث القائممقام وانا اتلهف للقـاء حارس آثار الوركاء مهر الذي شاهدته مرة في احدى الفضائيات كيف يعيش هذا الرجل وسط تلك الاطلال العظيمة؟
يا سيـد الحزن يا مولاي
يا بلدي
على بعد 40كم من مركز القضاء تقع مدينة كلكامش وبالتحديد شرق مدينة الوركاء، ويجب ألا ننسى جهود القائممقام في تكليف مفرزة خاصة من رجال الشرطة  لحماية فريق (المــدى) في رحلته  تلك،الطريق الذي سلكناه خلا تقريباً من العجلات إلا ما ندر،القرى منتشرة على جانبي الطريق وجميعها تقول للناظر هنا مركز الفقر العالمي بيوت من الطين ونحن في القرن الواحد والعشرين، نساء متشحات بالسواد تصيح ويحها حكومة بغداد ،اطفال لوَّن العوز ثيابهم يصرخون بكل عويل العالم ألا من منقـذ؟ شيوخ أثقلت كواهلهم الحياة البائسة فبدت وجوههم يائسة،فتيات يعطين ظهرهن لعجلتنا حتى لا نرى وجوههن،وهـنَّ يحملن الحطب وأواني المياه على رؤوسهن طامرات أنوثتهن وسط مقابر الحرمان، لو آن له ان يبعث من جديد بأي سيف سيذبح كلكامش رقاب مَن ذبحوا ويذبحون أبناء مدينته يوميا، بأي خنجر سيطعن صدور من طعنوا صدر عروسته،لم استطع الصمت وأنا أرى ما أرى من بؤس وحرمان تعيشه مدينة الآلهة!  فقلت ما قاله شاعرها إياد لطيف عنها :
يا سيد الحزن يا مولاي يا بلـــدي
الفِقرُ في ركبنا والموتُ حــداءُ
خطوا العراق على الكثبان خارطة
وبعثروا شكلها والريحُ هوجاءُ
أأمـــة نحــن أم أحفـــاد ضـائعـــة
لمت دروبُ الدُّجى والرؤيا عرجاءُ
ما للذيـن غــدوا في الدِّين مذبحة
والدِّين فـي بـادئ الآراء وضـــاءُ

ما معنى كلكامش؟
اسم جلجامش مكون من مقطعين هما : كه ل ويعني الكبير ، في الكردية ، و جامش ويعني الجاموس في الكردية أيضا ، فيكون الاسم الجاموس الكبير ، وبما أن الثور كان معبوداً في العراق القديم وهو رمز القوة والفحولة والاخصاب ، لذلك فان الجاموس الكبير أو الثور الكبير تعني كبير الآلهة ، وجامش ما زالت مستخدمة في الكردية بمعنى الجاموس ، أما كلمة ( كي ) فهي ملازمة لأسماء العديد من مشاهير الملوك القدماء في الإمبراطورية الفارسية ، مثل كي كاوس ، وكي خسرو ( ونقله العرب إلى كسرى ) وكي قباد . .وكي جمعها كيان تعني في الفارسية القديمة الجبار ، العادل ،اللطيف ، النقي ، الملك القاهر ، الشجاع ، حامي الحدود … الخ .
وقد يكون اسم جلجامش هو كي جامش ، أي الثور الشجاع ، أي الإله الشجاع ، ثم نقله الأكديون إلى كالجامش ، أي كالثور  ويحتمل اسم جلجامش وقوته.
يثبت طه باقر في مقدمته للملحمة ، أن اسم جلجامش ورد في سجل إثبات الملوك السومريين ، وأن أمه كانت الآلهة - ننسون - زوجة الإله لوكال بندا ، ولكن أبا جلجامش لم يكن لوكال بندا و إنما ورد ذكره في سجل إثبات الملوك باسـم - للا-  ويتعذر تحديد تواريخ لحقبة حياة جلجامش ، ولكن من المتفق عليه عامة أنها قرابة 2800 قبل الميلاد . وتشير بعض المصادر إلى أن والد جلجامش كان رجل – ليّلو – وهو الرجل الذي يتمتع بخصال شيطانية ، وانه راهب مهيب من كلاب ، التي تشكل جزءاً من أوروك.
وزير السياحة والوركاء
وصلنا عند منتصف النهار الى عاصمة ملك اوروك الخامس كلكامش ،مدينة محاطة بسور من الاسلاك الشائكة،وطريق رملي اذا أخطات العجلة واتخذت غيره مصيرها  البحث عن عجلة اخرى لسحبها،من الباب الرئيس رافقنا شرطيان من حرس الآثار،ومن بعيد كان رجل يشير بيده طالباً منا التوجه نحوه كنا عجلتان الاولى سيارة المؤسسة والاخرى سيارة الشرطة المكلفة بمرافقتنا،قال احد الشرطة انه ملازم اول خالد المرشد السياحي  الذي استقبلنا بكل حفاوة ،كان اول سؤالي له اين الحارس مهر؟ قال: انه مشغول برفقة  احد الزائرين من ضباط حماية المنشآت برتبة عقيد جاء لتفقد المدينة والاطلاع على آثارها، تذكرت لحظتها كلام قائممقام الوركاء حين قال لي: لا أحد يهتم بتلك الآثار فلم يُخصص دينار واحد من الموازنة للمرافق السياحية،مؤكداً أن وزير السياحة زار السماوة اكثر من مرة لرؤية احد أصدقائه ولم يكلف نفسه يوما بزيارة آثار الوركاء للاطلاع على واقعها المأساوي بحسب قول القائممقام!
نظرت الى المدينة أبحث عن آثار جلجامش وانا أُردد مع نفسي ،ماجاء في ملحمته في اللوح الاول منها"هو الذي رأى كل شيء،وعرف كل شيء،وتضلـَّع بكل شيء،سيد الحكمة الذي رأى اسراراً خافية  وكشف اموراً خبيئة،جاءتا باخبار عن زمان ما قبل الطوفان،مضى في سفر طويل،وحلَّ به الضنى والعياء،ونقش في لوح من الحجر اسفا".
منها بدأت الكتابة
يقول مرشدنا السياحي: إن أهمية مدينة الوركاء لإرثها الحضاري  والتاريخي فهي اول مكان في العالم اُكتشفت فيها الكتابة قبل 3500 عام ق. م وبزغ منها نور المعرفة والكتابة الصورية ومن ثم إلمقطعية وبعد ذلك المسمارية. . وتعــد مدينة اُوروك موطناً لعبادة الآلهة أنوا وهو آلهة السماء ولهذا فهي موقع ديني مهم في العراق القديم ، فضلا عن انها تمثل مصدر انطلاق ملحمة كلكامش الشهيرة , حيث كان كلكامش احد ملوك مدينة الوركاء وهو الملك الخامس فيها.
وقد اشارت  الأساطير السومرية الى ان الوركاء كانت اول مدينة تبنت النظام النيابي ، فقد شكلت  برلماناً خاصاً بها لتكون اول مدينة في العالم  عملت بذلك النظام  ، لقد اكدت المصادر التاريخية  ان الملك كلكامش طلب اجتماعا للبرلمان في مدينته إبان حصارها من قبل مملكة كيش التي تقع أطلالها الآن في محافظة بابل موضحاً ان البرلمان كان يتألف من مجلس للشيوخ وآخر للشباب المحاربين. .
وتضم كلكامش آثاراً متنوعة منها المعبد السومري والمعبد بابلي والمعبد ألاكدي ومنطقة لمعبد روماني فضلا عن زقورة الوركاء حيث تختلف عن زقورة أور.
أول مسرح في العالم
ومن ضمن المعابد معبد الفسيفساء وهو ما يعكس ان ارض العراق هي صاحبة اقدم اثر فيفسائي وليست سوريا .
وتزامنت  حضارة الوركاء مع حضارة مدينة أور في الناصرية.
واوضح ان من ضمن الموجودات الآن في مدينة الوركاء موقع اثري يسمى بيت اكيتوا وهو ما يعني رأس السنة ويمثل بيت احتفالات رأس السنة وهو عبارة عن قاعات كبيرة تضم مسارح للتمثيل , مشيرا الى ان المسرح والتمثيل كان ينطلق في بداية شهر نيسان مع رأس بداية السنة السومرية والبابلية وهو ما يعد أول مسرح في العالم .
وذكر ان الوركاء نُقبت  للمرة الأولى في عام  1849 ثم في عشرينيات القرن الماضي وهي أكثر مملكة نُقبت في العراق واستمر العمل بها الى عام 1987 من قبل فريق آثاري الماني ، مشيرا منذ ذلك العام تركها الفريق الالماني الذي بنى له بيتاً كبيراً من الطين وسط المدينة الاثرية  وكان يستقبل فيه الطلبة والطالبات من الجامعات الالمانية لغرض الدراسة والبحث.
نهــر من الرمال
كلما تقدمنا باتجاه الزقورة كانت الارض ترتفع والشواخص الاثرية تتوضح ،على يسار الطريق المؤدي الى بيت الحارس مهر كانت هناك قطعة فسفورية كتب عليها نهر انليل نعم آثار لنهر لكنه يغص بالرمال وليس المياه، الآثار في كل مكان على مساحة قدرها 14 كم مربع،مدينة متخمة بالكنوز وكذلك بالاهمال فلا طريق معبد يوصل الآثار في ما بينها ،المعابد والمسارح والزقورة وكل شيء مهمل اين ما ترمي قدمك فهناك أثر ،المدينة من غير كهرباء من غير ماء فأي سائح يتحمَّل او يرتضي الحضور هنا ،وأي مهر هذا الذي ارتضى ان يتقاسم المعاناة مع ما تبقى من حضارة كلكامش؟ التفت الى حكومة بغداد صارخاً بنشيد الشاعر إياد لطيف:
مــدَّت يديها إلى الأفلاك شابكة
كل العصور وفي الآفاق حدباءُ
هذي المثنى على الأطلال واقفة
تشدو إليك وفي الإنشاد إيماءُ
وإن تغيبت الآباء عن زمني
جئنا إليها وفي الآثار آباءُ

المدى/المثنى/ يوسف المحمّداوي

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced