بغداد حين تهمل أكبر «داون تاون» لأي مدينة
نشر بواسطة: mod1
الأحد 01-02-2015
 
   
علي عبد الامير - الحياة

تبدو المسافة من منطقة الميدان الى الباب الشرقي في بغداد، وهي التي يشكلها «شارع الرشيد»، كأكبر «داون تاون» او «وسط بلد» لأي مدينة في المنطقة، لكن بدلاً من العناية بهذا الامتياز، بات المكان اليوم ينوء بتلال النفايات المادية والمعنوية، كما يقول ناشطون ومثقفون يعتزمون إطلاق حملة لانقاذ قلب مدينة العاصمة العراقية ويقولون: «كأنهم مصرون على رسم الانحطاط على وجه بغداد وأبنيتها التي كانت ذات يوم أجمل عواصم الشرق»، في إشارة الى السلطات الحكومية التي لم تفعل شيئاً لانقاذ واحة التراث البغدادية من انهيارات متواصلة.

ويرى الباحث حسين علاوي ان «الرشيد الذي كان يلقب بـ «مدينة في شارع»، يراد له أن يكون كهلاً لكنه يحمل كل الحيوية وفرص التقدم، وفي ظل جيل شــاب ينظر اليه على انه تراثه وتاريــخه، ولأنه بــوابة المستقبل».

ويتحدث الكاتب احمد سعداوي منتقداً إهمال مباني بغداد التراثية: «من السخرية والكارثة أن بغداد تفقد تباعاً بسبب الإهمال مبانيها التراثية الـ 2000 حسب آخر احصائية، بدل ان يعاد تأهيلها وإنقاذها لأنها جزء من هوية المدينة التاريخية والحضارية».

من جهتها تفيد «أمانة بغداد» بأنها شكلت لجنة للحفاظ على أكثر من 3 آلاف مبنى تراثي، في جانبي الكرخ والرصافة اللذين تتكون المدينة منهما، مؤكدة ان «اللجنة التي تضم خبراء في التراث ومهندسين معماريين ستدرس المباني التراثية لتحديد استعمالاتها وفقاً لتصنيف حالتها الانشائية وبعد اعادة تأهيلها وصيانتها»، مستدركة أن «اللجنة حددت ثلاث درجات تصنيف للمباني هي: جيد ومتوسط وآيل للسقوط».

وتلفت المديرة العامة في دائرة التراث في وزارة السياحة والأثار فوزية المالكي الى جانب مهم يعكس التحول الاجتماعي الفوضوي، بقولها: «معظم المباني التراثية كان يملكها أثرياء العاصمة، أما حالياً فيشغلها متجاوزون وهم ليسوا من سكان بغداد اصلاً».

وهناك من يقول ان ثمة «ترميمات تجرى على الابنية التراثية»، لكنه ينتقد ايضاً «استخدام نوع من الطابوق يختلف عن الطابوق القديم الاصلي في قياساته ونوعيته بجماليته وخصوصيته وبعده الرمزي الذي كان من ثوابت العمارة العراقية».

وتبيّن احصائية أخيرة تولتها «دائرة التراث العراقي» أن هناك نحو 1800 مبنى تراثي في بغداد مهددة بالزوال، بسبب ما لحق بها من دمار وخراب وتصدعات، دون التوقف عند قيمتها التاريخية، علماً أن غالبيتها تعود الى السيطرة العثمانية المتأخرة على العراق وأوائل القرن العشرين، وتقع في قلب العاصمة، ونحو 80 في المئة منها املاك خاصة لعائلات ميسورة غادرت البلاد منذ زمن بعيد (اليهود) او هاجرت بعد العام 2003 (المسيحيون).

وتبدو غالبية تلك المباني الأثرية وقد فقدت قيمتها المعمارية والزخرفية والهندسية وطابعها التأريخي بفعل ما طاولها من تجاوزات ومخالفات بناء واضافات لاروقة عشوائية واستعمالات فوضوية، شوّهت الهوية الثقافية لتلك الابنية والبيوت وافرغتها من محتواها التراثي. ولا تتوقف تلك الابنية عند البيوت، بل تشمل المقاهي والخانات والحمامات والتكايا ودور السينما والمسارح التي حولت الى ورش ومحال ومعامل ومراكز تجارية وصناعية في ظاهرة مخيفة تجاوزت ارث بغداد وجانباً حياً من تاريخها.

وعلى رغم وجود قانون صادر عام 2002 ينص على حماية المباني التراثية من الهدم والازالة وإلحاق الضرر، بل يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ست سنوات، فإنه لم يأخذ طريقه إلى التطبيق، فثمة ثقافة سائدة في البلاد اليوم تذهب الى شطب كل قانون أصدره النظام السابق حتى وإن كان ايجابياً»، وهو ما وفّر لمافيات العقار الفرصة لـ «إيجاد الاعذار والحجج لهدم البيوت التراثية»، كتعرضها لحوادث الحرق التي تقيد دائماً ضد مجهول، او تفجير معالمها وواجهاتها وإلقاء اللوم على الارهاب.

ولم ينل الاهمال المخيف الابنية التراثية الاهلية فحسب، بل حتى طاول الحكومية منها، فهي الاخرى «مهملة ومستخدمة لاغراض بعيدة عن وظيفتها الثقافية». لكن مؤسسة حكومية كأمانة بغداد تفيد بأنها ساهمت في «تطوير العديد من المباني التراثية في بغداد، منها 10 اسواق تراثية هي أســـواق الــسراي والصفارين والسراجين وخان المدلل في الميدان والمتنبي ودانيال والشورجة القديمة ومبنى المحاكم القديم والباب الوسطاني، الى جانب مناطق الكرخ القديمة ومحلات السفينة والنهضة والشيوخ وهيبة خاتون في الاعظمية، عبر تطوير مقترباتها وإكسائها بالحجر وتطوير البنى التحتية وزيادة الخــدمات البلدية الواصلة اليها». غير ان بياناً رسمياً كهذا، هو غير ما تشي به حقائق على الارض تجعل من مكان مثل «شـارع الرشــيد» اشبه ما يكون بمكب نفايات طويل، بدلاً من ان يكون أكبر «داون تاون» لبغداد التي تخسر ملامحها المدنية والحضارية الرفيعة شيئاً فشيئاً، لتتحول مسخاً معمارياً وثقافياً.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced