حسن المسعود من باريس
كتاب (1) وافي يعرض علينا عبر العديد من الصور والرسوم والنصوص تجربة فيصل الفنية. كذلك ان الاحداث المعاشة في تارخ العراق الحديث اخصبت انتاجه الغزير. ورغم ان ولادة هذه الاعمال كانت مشوبة بألم عميق وأحيانا حتى العظام، لكنه خرج منتصرا في مهنته الفنية وتوصل الى خلق اجواء وتقنيات لاتعود الا لفيصل. وكل الرموز والاشكال التي ابتكرها ستعود بالنفع العميم للحركة الفنية التشكيلية.
عند تصفح الكتاب نعيش احساسات وحدس الفنان وافكاره الانسانية. يعرض نفسه امام القارئ بكل التفاصيل: آلامه وغواياته وتطلعاته. كلها هنا ويترك للمتفرج على لوحاته التخيل والتامل عبر الاشكال والالوان.
سنوات طويلة من البحث عن الذات كما يقول. بحث تقني طويل وتأملات فكرية، كالضياع في متاهات الفن العالمي، وتدريجيا تدخل مفردات محلية في لوحاته. مستوحاة من التراث الفني السومري والاسلامي لتثري عمله الفني.
احلام البداية نشاهدها في بعض لوحاته، وثم معاناة الناس خلال سنوات الجمر في العراق. ولكنه يضع القوة في كل مكان. فأن الانسان العراقي اثناء الحروب والقمع في اشكالة الدامية يقاوم. وفي لوحات اخرى الالوان الزاهية والاشكال الجميلة تتحدي الموت وتعطي امل المستقبل.
طريق فيصل يمر بتيارات متعددة، كلها ضرورية للتغلغل في وعي ولا وعي الفنان. نشاهد مجموعات من اللوحات تشهد على ماتعرض له الشعب العراقي اثناء الحروب الديكتاتورية ، وانتفاضة آذار، فتأخذ الاشكال البشرية المتألمة مظاهر آتية من الفن السومري تقود ذاكرتنا الى ستة الآف سنة للوراء. وكأن هذه الاشكال تقص علينا طريق الالم الطويل على هذه الارض.
وفي مجموعة اخرى من اللوحات يؤمن الفنان بالانسان. وأمله ان تعود للعيان تلك الاجواء الشعبية المسالمة. تكوينات من كتل متماسكة في وسط اللوحة . استوحت هندسيتها من منظور الفن الاسلامي. فقد استفاد فيصل ببعض الافكار من الصور المصغرة الاسلامية لمعالجة الفضاء، فجاءت تكويناته كخطوة ذكية في معالجة السطح التشكيلي. بهدف
الابتعاد عن المنظور الغربي والذي وضع اسسه العلمية الايطالي البرتي، في القرن السادس عشر. وسارت عليه اكثر المدارس العالمية.
وفي هذه اللوحات نرى الاجسام مرتدية احلى الملابس ، الوجوه صافية وهادئة كانها تعود لعصر مضى. رغم ان كل هذه اللوحات تمثل مهن واشخاص سبق وان رأيناهم وعشنا معهم، ولكنهم اختفوا. انهم كانوا ملك العراق وكل ثروته ولكن فقدهم العراق في السنوات القليلة الماضية. ومن هذه المهن نرى المقاهي وكل ماتحويه من اشخاص قرب الناركيلة واستكانات الشاي موضوعة على الطاولات قرب الطاولي واقراصه المستديرة.
ومن المهن: الحلاق، وصباغ الاحذية، والاسكافي، والمكوجي، والمصور الشمسي، وبائع السوس، وبائع السمك ... والى اخره من صور ليست الا رموز لاستحضار العراق الضائع وكل من يراها سوف يضيف عليها مادخرته ذاكرته من احداث قريبة لهذه المشاهد العراقية.
يمكن ان نتفق مع الفنان او لانتفق معه في اشياء كثيرة، ولكن السلب والايجاب هنا نافع، فأن الفنانيين اضاءوا في كل وقت المسيرة البشرية. وفي طرحهم لكل التناقضات البشرية، وتناقضاتهم بالذات. فأنما يساعدون البشرية في التعرف على نفسها من اجل تقدمها وتطورها نحو الارتقاء.
ومساهمة الفنانين في الحوار نحو المستقبل ضرورة. لان انتاجهم الفني يعود لقدراتهم على الحدس واستعمال لغة اخرى هي اللغة التشكيلية، اي ان الخطوط القاسية تعارض الخطوط الرهيفة والالوان الغامقة تعارض الوان الربيع الزاهية... تعبير ناطق بغير الكلمات.
وأما الحدس فهو الطريق الاقصر لتقارب البشر، وكل فنان آت برموز محلية يمكن ان يكون فنانا عالميا. لان الرؤى الصادقة تفهمها كل اللغات وتعطي الامكانية للتفكير والتأمل لكل البشر وفي اي مكان.
البحث عن الذات عند فيصل، يكون في الاتجاهات والطرق التي سلكها ولازال. احيانا يتوقف لمنتصف الطريق بألم. لانه ادرك ان الطريق لازال مظلما ولابد من البحث عن النور في مكان اخر.
مجموعة رسوم الف ليلة وليلة . رسوم لذيذة تمجد المرأة على طريقة الفن اليوناني القديم أو المتصوفة الذين كانوا يرون ان طريق الحق يمر عبر الجمال.
ورغم ان البعض في مجتمعاتنا يريدون كبت هذه التطلعات والرغبات البشرية. الا ان الفنان لايمكنه نكران العطاء الكبير للمراة الى المجتمعات البشرية. بخلق البشر اولا وثانيا باعطاء المجتمع الشكل الافضل للرهافة.
كانت الحضارات القديمة تعتبر ان الجمال البشري للمراة هو غذاء للروح لابد منه للتقدم البشري.
الرموز في لوحات فيصل تتطلب الدخول اليها بتأمل. فلماذا يصور لنا اناء الفواكه بكل الالوان؟. وبأشكال مكتنزة تكاد ان تتفجر، لانها في اقصى حالات النضوج. عيوننا تتجول في دوائر ومنحنيات الفواكه. اناء مليء بثقل الفواكه يتوسطه الرقي الاحمر. انها فواكه بنكهة محلية ولكنها يمكن ان تحمل العنوان الآتي: ان هذه ليست فواكه.... وعلينا ايجاد المقصود من رسم وتلوين كل هذه الفواكه.
1-
البحث عن الذات
كتاب عن الفنان التشكيلي فيصل لعيبي صاحي
نشر : دار الاديب للصحافة والنشر
مرات القراءة: 4196 - التعليقات: 0
نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ،
يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث
المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ
تشكيليات فيصل لعيبي صاحي: البحث عن الذات
