غالباً ما يحصلون على ما بين أربع إلى خمس ساعات فقط من النوم وربما أقل ما يؤدي إلى صعوبة التركيز وبطء ردات الفعل

يجمع الأطباء الباحثون في تأثيرات الأعمال الليلة بجسم الإنسان، على أن تلك الفترة من العمل قد تقتلك، ويقولون إن العمل في المناوبة الليلية مضر بالجسد، وإن هناك جانباً مظلماً له.

ويعمل ملايين الأشخاص حول العالم ليلاً، منهم من يقوم بتنظيف المكاتب، أو قيادة سيارات الأجرة، وبعضهم يعمل ليلاً استجابة لحالات الطوارئ أو لرعاية المرضى وكبار السن، وهناك من يعمل في تداول الأسهم وأعمال البورصة والعملة الرقمية، وكثيرون يعملون في الرد على مكالمات العملاء أو في الرد على مكالمات الطوارئ بعد وقوع حوادث أو جرائم.

في الولايات المتحدة، يعمل حوالى 15 مليون أميركي في نوبات ليلية. وفي المملكة المتحدة، يزيد عددهم على 3 ملايين أو 11.7 في المئة من القوى العاملة، بحسب تحقيق روب سميث المنشور في موسوعة "ويكيبيديا". ويستنتج سميث في التحقيق أن نوبات العمل الليلية ذات تأثير سلبي في العلاقات والحياة الاجتماعية وكذلك في وتيرة النوم غير الصحية، مما يؤدي إلى أمراض تخص العاملين في ما وصفه "نوبة المقبرة".

يسبب الاكتئاب

عام 2014، أجرى العلماء في مركز أبحاث النوم في ساري (SSRC) في المملكة المتحدة، تجارب على مجموعة من الأشخاص قاموا بتغيير نمط نومهم واستيقاظهم إلى نمط العامل الليلي. وكشفت اختبارات الدم عن أن حوالى ستة في المئة من جيناتنا متكيفة على أن تكون أكثر أو أقل نشاطاً في أوقات محددة، وبمجرد تحول المشاركين إلى العمل الليلي، انخفضت هذه الدقة الجينية إلى واحد في المئة. ويمكن أن يؤدي العمل الليلي المنتظم إلى الحرمان المزمن من النوم، وفقاً لمؤسسة النوم الوطنية (NSF) في الولايات المتحدة، التي توصي بالنوم ما بين سبع إلى تسع ساعات كل 24 ساعة. أما الذين يعملون لساعات طويلة ليلاً غالباً ما يحصلون على ما بين أربع إلى خمس ساعات فقط من النوم وربما أقل. كما تؤدي قلة النوم إلى صعوبة التركيز وإبطاء رد الفعل على الحدث.

وكشفت التحقيقات التي أجرتها المجلة "الاسكندنافية للعمل والبيئة والصحة"، التي حللت إصابات العمل المتعددة في الفترة بين عامي 1996 و2006، أن أولئك الذين يعملون ليلاً أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والاكتئاب. ووجدت الأبحاث المتعلقة بالعمل ليلاً أن هذه الفترة من العمل قد تزيد من خطر الإصابة بالسرطان خصوصاً بين النساء، بحسب دراسة نشرتها الجمعية الأميركية لأبحاث السرطان، التي فحصت أكثر من 60 عاملاً ليلياً ووجدت أنه في مقابل كل خمس سنوات من العمل الليلي، يزيد خطر الإصابة بسرطان الثدي بين النساء بنحو 3.3 في المئة.

وظائف من "نوبة المقبرة"

تعرف الدراسات "العامل الليلي" بأنه الشخص الذي يعمل أكثر من ثلاث ساعات بين الساعة 11 مساء و6 صباحاً بشكل منتظم. وفي الناحية الإيجابية من العمل الليلي يقول عالم النفس زاندر ويدربيرن إنه يمكنك أن تتعلم كيف تحب العمل الليلي، فهناك إيجابيات كأن تتخلص من تعليقات المديرين، والبقاء وحيداً لفترات تساعد في التأمل الشخصي، ويحول العمل الليلي العامل إلى شخص هادئ ينعكس هدوءه إيجاباً على علاقاته النهارية. ولكن وفقاً لـ Safe Workers، يجب على أرباب العمل فرض لوائح صارمة على الموظفين الليليين، سواء كانوا موظفين دائمين أم عمالاً عرضيين، كي يعرفوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في الوقت الذي يكون فيه جسدنا أقل استعداداً للعمل ليلاً، بحسب الدراسات الجينية التي بينت أن جينات البشر مركبة بطريقة تحفزها على النشاط والعمل نهاراً والخمول في الليل.

من الأعمال الليلة التي ينصح بها الخبراء، هناك مراقب الحركة الجوية الذي يحقق دخلاً كبيراً في مقابل القيام بعمل مسؤول يتطلب تركيزاً كبيراً في مراقبة حركة الطيران. ووقعت اصطدامات عدة بين طائرات بسبب نوم المراقب الجوي أو فقدانه للتركيز في لحظة معينة. لذا ينصح بهذا العمل لأشخاص محددين من ذوي النشاط العالي، الذين يلعب أغلبهم في شبكات السودوكو أو يتقنون لعب الشطرنج، بحسب الأبحاث التي أجريت على العمال الليلين.

جليسة الأطفال الليلية مهنة أخرى ينصح بها لذوات الحماسة تجاه الاعتناء بالأطفال في مقابل مبلغ وفير من المال عموماً. أما عمل النادل الليلي فإنه من الأعمال التي توفر دخلاً وافراً من البخشيش الذي يتركه الزبائن، ويقيم النادل علاقات كثيرة ومتنوعة مع أشخاص مختلفي الطباع والأمزجة، فيكتسب بذلك قدرات كافية للتعامل مع الناس اجتماعياً.

وبينت الإحصاءات أن العاملين الليليين على طاولات القمار في الكازينوهات يقعون في أعلى لائحة أصحاب الدخل من العمل الليلي، ومن المعروف أن عمال الكازينوهات الذين يسهرون على طاولات القمار يختارون بعناية، ويكون توظيفهم في الكازينو نتيجة تصفية كبيرة بين المتقدمين إلى العمل، وغالباً ما يكونون مقربين من صاحب الكازينو بسبب الدقة العالية التي تتطلبها وظيفتهم.

ويأتي السائقون الليليون في مرتبة عليا أيضاً من حيث الدخل، إذ بينت الإحصاءات في معظم عواصم العالم المزدحمة أن السائق الليلي اختار عملاً مربحاً ولا يتطلب جهداً عالياً كغيره من الأعمال الليلة، مثل محرري الصحف الورقية والإلكترونية، الذين ينتظرون خروج الصحيفة أو المجلة من المطبعة حتى الصباح، بينما يقوم محررو المواقع اللإكترونية بالعمل الليلي لتغذية مواقعهم بالمقالات الكثيفة التي تصلهم لتحريرها. ويعتبر هذا العمل من الأعمال المجهدة، فعدا عن التركيز يتطلب هذا العمل جهداً جسدياً، ومسؤولية كبيرة تقع على المحرر في حالات السهو والغلط.

أفضل 25 وظيفة ليلية

وتبين معظم الدراسات التي تناولت العمل الليالي، أن العمال الليليين يفضلون العمل في مجال الرعاية الصحية، سواء كان في المستشفيات أو في مراكز الاستشفاء للحالات النفسية والإدمان، وفي دور رعاية المسنين أو العمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والمتوحدين.

وتضم لائحة العاملين ليلاً قراصنة المعلومات الذين يواجهونهم في الطرف الآخر، وهناك المصور الصحافي الذي يضطر إلى العمل ليلاً في أكثر الحالات، وهناك فارز البريد من العمال الليليين وكذلك الخباز أو الفران الذي يحضر الخبز ليلاً لزبائن الصباح. وهناك حارس الأمن وهي مهنة منتشرة في جميع أنحاء العالم، إذ يوظف معظم المصارف والمؤسسات والشركات والتجمعات السكنية المغلقة حراس أمن على مدار 24 ساعة.

تنصح أيمي بيردسلي في تحقيقها حول أفضل 25 وظيفة ليلية مسلية، وتسمح بتأمين دخل مثير للاهتمام، الأشخاص المصابين بالأرق ليلاً أو محبي الليل، أن يعملوا في مرافق كشك رسوم الطرق السريعة، مثل أكشاك رسوم المرور وتحصيل الأموال من السائقين في مقابل السفر على الطرق السريعة والطرق الرئيسة بين الولايات، في الولايات المتحدة الأميركة وفي كثير من الدول التي تتبع نظام الرسوم على استخدام الطرق الرئيسة. هذا العمل هو عبارة عن جمع الأموال على مدار الساعة، ومتوسط الأجر في الولايات المتحدة الأميركية هو 12.35 دولار للساعة، بحسب مجلة .Payscale

وتنصح بيردسلي بالعمل ككاتب ليلي مستقل، فهذا يعني أنه يمكنك العمل حين تشاء من المزل أيضاً، وانتشر هذا النوع من المهن في سنوات فيروس كورونا والإقفال العام في معظم دول العالم لأشهر، أطلقت فكرة العمل من المنزل. ومتوسط الأجر ككاتب مستقل هو 22.99 دولار في الساعة، بحسب Payscale.

وهناك عامل الاستقبال في المستشفيات ومراكز الرعاية العاجلة وغرف الطوارئ المفتوحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وقد يكون العمل من مكتب المعلومات للإجابة على الأسئلة ومساعدة المرضى في الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها، وتقول أيمي بيرد سلي إنه يمكنك أن تكسب حوالى 16 دولاراً في الساعة.

في القول المأثور القديم "الطائر المبكر يحصل على الدودة" لا يكون صحيحاً دائماً، فإذا كنت أكثر ملاءمة للعمل الليلي، فمن المؤكد أن وظائف كثيرة ستثير اهتمامك.