محاولة لتحليل المفهوم وإيقاظ الجدل. اضطهاد النساء / مقاربة نقدية
نشر بواسطة: mod1
الإثنين 04-03-2024
 
   
عرض : شميران مروكل

صدر مؤخرا للكاتب رضا الظاهر كتاب بعنوان (اضطهاد النساء مقارنة نقدية) في 249 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب، الصادر عن (دار الرواد)، هو محاولة نقدية تمهيدية لتحليل اضطهاد النساء ومعالجة تسعى الى ايقاظ الجدل لوضع هذه المسألة في سياق نظري منهجي، يبتغي المؤلف من خلاله اضاءة كيف انه من الممكن استخدام المنهجية الماركسية لتنظير الأسس الرأسمالية لاضطهاد النساء، وتشخيص الامكانيات الراهنة المفتوحة امام النظرية والحركة النسويتين. هذا التحليل يسمح بتوحيد الكفاح لتحديد تحليل طبقي للاضطهاد يتجه الى ما هو أبعد من تحديد ذلك الاضطهاد، اذ يصوره عبر فهم علاقته بالمجتمع الطبقي وضرورة الاطاحة به. ويمكن لهذا ان يجعل الماركسية تمتلك رأيا أوسع بكثير حول الاضطهاد والطبقة.

لقد دافعت الماركسية منذ البداية عن تحرر المرأة وجادل ماركس وانجلز بأن الطبقة الحاكمة تضطهد النساء في المجتمع وداخل الاسرة. وفي العقود الثلاثة الاخيرة بدأ الباحثون والناشطون العودة الى نقد ماركس للرأسمالية واعترف باحثون بارزون بمتانة هذا النقد. وقد اتسمت أعمال هؤلاء الباحثين بأهمية أكبر ارتباطا بالركود العالمي بعيد المدى والذي حدد وجود ونشاط الحركة المناهضة للنيوليبرالية. فقد اندلعت احتجاجات في العديد من دول أوربا ومناطق أخرى في مختلف انحاء العالم ويصبح الوضع أكثر اشكالية عندما تجري مناقشة وضع النساء في الرأسمالية المعولمة .

لقد كان ماركس ملتزما بالكفاح من أجل تحسين وضع النساء في الانتاج وفي المجتمع عموما. وفي كتاب (رأس المال) يعبر ماركس في عدد من صفحاته عن وجهة نظر بشأن موقع النساء في قوة العمل. وعلى سبيل المثال كتب أنه ما ان تدخل النساء قوة العمل فانهن يحصلن على الطاقة المحتملة في حياتهن الشخصية، طالما انهن يسهمن في الوضع المالي لرعاية العائلة ولم يعدن تحت الهيمنة المباشرة لأزواجهن أو آبائهن. ومن الاهمية بمكان أن قضية تحرير المرأة لم يتم تناولها نظريا، في سياق التقليد الماركسي، على أنها شأن يخص النساء فقط، وانما كقضية لكل المجتمع. فقد اشار لينين الى اضطهاد المرأة داخل الاسرة باعتباره “عبودية منزلية” وقال تروتسكي إنه “من اجل تغيير شروط الحياة علينا أن نشاهدها من خلال أعين النساء”.

إن الماركسية والنسوية تنجزان الوعد الذي قطعته الثوريات الماركسيات: تفسير كيف ولماذا يتعين على الماركسية والنسوية كمشروعين تحريرين وقضيتين سياسيتين مترابطتين ان تلتقيا على الرغم من كل المشاريع السياسية والآيديولوجية الساعية الى فصلهما. وفي سياق هذا الفهم لم تر أي من النساء العظيمات الاشتراكيات أن عملهن يقتصر على تنظيم النساء.. عشرات من قائدات الحركة النسائية كرسن طاقاتهن للاشتراك في نضال العمال الرجال والنساء العاملات.

الاضطهاد هو تمييز ضد الافراد او الجماعات على أساس الاختلاف الملموس أو المزعوم ويمكن أن يكون على أساس الجندر أو لون البشرة أو العرق أو الجنسانية أو المعتقد الديني. ويمكن أن يبدو الاضطهاد، ببساطة، كنتاج للتعصب الفردي. ولكن بينما تكون الأفكار المتعصبة جزءا من التعبير عن الاضطهاد، فان تجربة الاضطهاد هي أكثر من مجرد تعصب أعمى أو لا تسامح. ويعتمد التقسيم الطبقي على الاستغلال وهو الأساس الجوهري لنظام الرأسمالية بأسره. وفي الوقت الحالي غالبا ما يستخدم مصطلح الاستغلال فقط عندما تجري الاشارة الى الأجر المتدني تماما أو ظروف العمل السيئة. ولكن فائض القيمة الذي يخلقه العمال وليس مستوى الأجر هو العامل الحاسم في تقرير ما اذا كان الشخص مستغَلا بالمعنى الماركسي. فحتى العمال الذين يتقاضون أجرا جيدا لا يتلقون عائد عملهم بالكامل. وعلى الرغم من وجود تقسيم واضح للعمل بواسطة الجنس في المجتمعات ما قبل الطبقية فان عمل النساء لم يكن يعتبر تابعا لعمل الرجال، غير أن التحرك من مستوى الكفاف الى انتاج الفائض أرسى الأساس المادي للتجارة وتخصيص العمل ومفهوم الملكية الخاصة. وحتى وقت قريب لم يعرف الكثير بشأن وضع النساء في مجتمعات العبودية والاقطاع على الرغم من وضوح أن حالتهن كانت تابعة للرجال في حين أن هناك الكثير مما هو معروف عن اضطهاد النساء في المجتمع الرأسمالي. وعلى الرغم من ان النساء يدخلن سوق العمل ويبعن قوة عملهن مقابل أجر، فانهن يفعلن ذلك في ظل ظروف أقل ملاءمة من ظروف الرجال بسبب وظيفتهن البيولوجية في الولادة وتربية جيل المستقبل. إن تقسيم العمل داخل العائلة القائم منذ قرون والذي يسبق الرأسمالية، قد انتقل من حقول الأسرة الى الانتاج الاجتماعي، وهذا يفسر جزئيا لماذا كانت مهارات النساء في هذه الوظائف “النسائية” وما تزال قليلة القيمة وبالتالي متدنية الأجر.

في بعض أعماله المبكرة المتعلقة بنقده للرأسمالية يؤكد ماركس على الحالة اللاإنسانية للنساء وفي (مخطوطات 1844) يتخذ هذا الى حد كبير شكل الكشف عن عمق الاغتراب في المجتمع. إن اغتراب البشرية جوهري الى حد أنه يؤثر في جميع مناحي الحياة بما في ذلك العلاقات بين الرجال والنساء. ولا يمكن أن يظهر أي تغيير حقيقي ما لم تجر ازالة كل هذه الاشكال من الاضطهاد والاغتراب. كما أن تقسيم العمل ليس هو الذي يؤدي الى المجتمع الطبقي وانما الأساس هو التقسيم بين العمل الذهني والعمل اليدوي، ويعتبر بعض تقسيم العمل ضروريا خصوصا في المجتمعات الأكثر تقدما .

وقد ساعدت الرأسمالية على خلق الظروف التي حققت فيها البشرية سيطرة أعظم على الطبيعة. وفضلا عن ذلك كان للبرجوازية تأثير كبير على العلاقات الاجتماعية في المجتمع عبر الغاء العلاقات الاقطاعية وخلق أساليب جديدة للتنظيم الاجتماعي. وكانت التغيرات في المراحل الاولى من الرأسمالية تمثل قوة تقدمية، ولكن في وقت لاحق فان أسلوب الانتاج الرأسمالي يصبح قيدا على التطور اللاحق للمجتمع. فالرأسمالية لا تخلق الأزمة فقط ، ذلك أن هناك الكثير من المدنية والكثير من البضائع والكثير من الصناعة والتجارة، كما أنها تخلق قوى ذاتية ستطيح في خاتمة المطاف بالنظام. فالأسلحة التي استخدمتها البرجوازية للقضاء على الاقطاعية ترتد اليوم الى صدر البرجوازية، بل أخرجت أيضا الرجال الذين سيستعملون هذه الأسلحة وهم العمال. ان ظروف الانتاج نفسها تساعد على خلق وعي للعمال يؤدي الى تأسيس تحالفات ضد البرجوازيين حيث ينغمرون في أشكال متنوعة من الكفاح ضد رأس المال. ولم يفصل ماركس  في كل كتاباته النظرية عن الممارسة. ومنذ خمسينيات القرن التاسع عشر حتى نهاية حياته يصبح واضحا أن ماركس ينظر بجدية أكبر الى الاضطهاد الذي تواجهه النساء كنساء. وقد حاول، في الأقل، أن ينظر لتحسين أوضاعهن، وواصل ماركس مناقشاته دون تمييز بين الأولاد والبنات لتنظيم عمل الأطفال، وهو يشير الى الاضطهاد العائلي للأطفال الناجم الى حد كبير عن تأثيرات الرأسمالية.

وفي ( أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ) قام انجلز بالخطوات الأولى نحو استيعاب الحقيقة الملموسة لهذا الجوهر المعقد والمحدد تاريخيا من خلال الاشارة الى نظرية موحدة لاضطهاد النساء في ظل الرأسمالية عبر اضاءات تاريخية لظهور العائلة والدولة وأساليب الانتاج المتغيرة. وبفعله هذا قدم مساهمات أساسية للنظرية السياسية عبر فهمه التاريخي للدولة باعتبارها زائلة وكذلك للكفاح من أجل تحرير النساء عبر مفهومه التاريخي للعائلة واضطهاد النساء. وبشأن ردود الفعل النسوية على ( أصل العائلة ) تشير هيذر براون الى أن كثيرات من الباحثات النسويات، بينهن سيموندي بوفوار، وميشيل باريت، وليزفوغل، جادلن بدرجات متفاوتة بأن حجة انجلز تستند الى شكل الجبرية الاقتصادية التي لا تفسر على نحو واف اضطهاد النساء. فدي بوفوار تجادل بأن انجلز لا يمكن أن يفسر اضطهاد النساء عبر تقديم الملكية الخاصة وضعف النساء العضلي وحدهما، فالمشكلة ناجمة بدلا من ذلك عن طبيعة الرجل الساعي الى التفوق حتى على حساب الآخرين بمن فيهم النساء. وبينما تعتبر محقة في الاشارة الى عدم كفاية الجبرية الاقتصادية لفهم اضطهاد النساء، فانها تقلل الى حد كبير من شأن العوامل المادية التي يمكن أن تؤدي دور الكابح للنشاط الانساني الواعي.

وترى مارثا غيمينيز ان النسوية في عصر العولمة ينبغي أن تكون نسوية ماركسية، نسوية تعترف بشجاعة بينما تدعم الكفاح من أجل الحقوق والفرص التي تهم النساء، بأن كل النساء لا يشتركن في المصالح الطبقية ذاتها. إن مثل هذه النسوية يجب أن ترى أن معظم نساء العالم هن نساء عاملات، سواء كن بروليتاريات أم لم يكن، وأنه على هذه الاسس يمكن أن ينشأ نمط جديد من التنظير والعمل السياسي النسوي.

وشهدت ستينيات القرن العشرين ظهور حركات لتحرير النساء في البلدان الرأسمالية خصوصا. وسرعان ما انتشرت هذه الموجة الى أنحاء أخرى من العالم، وكانت استجابة نوعية لظروف اجتماعية جديدة. وكان من بين خصوصياتها وجود اتجاه هام عرف بالنسوية الاشتراكية. وكان ظهور هذا الاتجاه تطورا في غاية الأهمية، فقد وقفت النسوية الاشتراكية متضامنة مع الكفاح ضد الامبريالية ومن أجل التقدم على النطاقين الوطني والعالمي. غير أنه في أواسط السبعينيات بدأت الحركة النسوية الاشتراكية فقدان بعض من زخمها ومواقفها ارتباطا بتراجع النشاط المعادي للامبريالية وانسحاب عدد من النساء الماركسيات من المنظمات النسوية الاشتراكية. وفي الوقت نفسه بدت تجربة النساء في الحركات الثورية والبلدان الاشتراكية أكثر بعدا عن الاهتمامات النسوية الاشتراكية المباشرة . غير أن هذا التراجع لا ينفي امكانية استخدام الماركسية لوضع اطار نظري يستوعب قضايا اضطهاد وتحرير النساء. والى المدى الذي عالجت فيه الحركة الاشتراكية بصورة مباشرة قضية اضطهاد النساء فانها ركزت على ما اسمته “مسألة المرأة”. وهذا المصطلح الذي تعود أصوله الى القرن التاسع عشر يتسم بالغموض ويغطي طائفة من المشكلات الهامة في مستويات نظرية مختلفة، وعلى العموم استخدم من قبل الاشتراكيين للاشارة الى قضية تبعية النساء في سائر المجتمعات التاريخية. إن معظم الآراء بشأن ما يسمى بمسألة المرأة تركز على اضطهاد النساء واللامساواة في المجتمع الرأسمالي والكفاح من أجل الحقوق المتساوية. وبايجاز فان مسألة المرأة ليست مقولة تحليلية دقيقة وانما عقدة متشابكة في خيوط مجدولة. إن ثلاثة خيوط رئيسية هيمنت على العمل النظري بشأن ما يسمى مسألة المرأة: العائلة، وعمل النساء، ومساواة النساء. غير أن النظرية الاشتراكية لم تكن قادرة على نسج هذه الخيوط لتشكيل منظور متماسك حول مسألة تحرير النساء.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced