تتعرض المرافق الثقافية في العراق، ومن بينها المنتديات الشبابية، إلى تحديات كبيرة تهدد وجودها ودورها في المجتمع، حيث يشهد هذا القطاع إهمالًا ملحوظًا من السلطات الحكومية.
شارع المتنبي
يعد شارع المتنبي في بغداد من أبرز المعالم الثقافية القديمة في العراق، حيث يجذب العديد من طالبي المعرفة والعلم، بمن في ذلك الطلاب والمثقفون ومحبو القراءة. ومع ذلك، يشهد هذا الشارع إهمالاً وتأهيلاً متواضعاً.
ففي شارع المتنبي يتجمع الباحثون والعلماء ومحبو القراءة للمشاركة في العديد من الفعاليات الثقافية مثل الندوات والمسرحيات والفعاليات الموسيقية، بالإضافة إلى جلسات الحوار التي تجمع بين أشخاص من خلفيات وتوجهات مختلفة.
يقول إحسان محمود، صاحب مكتبة صغيرة، إن «شارع المتنبي لا يقتصر على بيع الكتب فحسب، بل هو مكان ثقافي وسياحي حيوي».
ويضيف محمود، أن «الأعمال التأهيلية التي تمت قبل بضع سنوات لم تكن بالمستوى المطلوب، ولم تكتمل بشكل كامل لتغطية المنطقة بأكملها. وهذا ما يثير أسفاً لإهمال هذا المكان الحضاري والثقافي، الذي يحمل أهمية علمية وثقافية واقتصادية، إلى جانب دوره الحيوي في جذب الشباب وتشجيعهم على القراءة والتعلم والمشاركة في الفعاليات الثقافية».
ويجد محمود أنه «يجب التركيز على أهمية الاهتمام بالمراكز والأماكن الثقافية، وتعزيز دورها كمراكز جذب للشباب ومنصات للتعلم والتفاعل الثقافي. وهذا يأتي ضمن إطار الجهود الرامية لتحويل هذه المناطق إلى ملاذ آمن ومفيد يلجأ إليه الشباب بدلاً من الأماكن غير الآمنة، كما يقيهم من تعاطي المخدرات او اللجوء إلى السرقة والقتل».
منتديات الشباب
وتعاني المنتديات الحكومية الشبابية من إهمال شديد وتقصير ملحوظ، حيث شكا الشباب في كربلاء بشكل متكرر من تحويل هذه المنتديات إلى مراكز تجارية.
يقول الناشط والباحث السياسي علي المظفر من محافظة كربلاء، إن «المصلحة العامة باتت مغيبة تماما من قبل المؤسسات الحكومية، خصوصًا تلك التي تتعلق بفئة الشباب».
ويضيف المظفر، أن «الاهتمام الأكبر يركز على المصالح الفردية على حساب مصلحة الشباب».
وفي ما يتعلق بأهمية المنتديات الشبابية والمرافق الثقافية الأخرى، يشير المظفر لـ»طريق الشعب»، إلى أنها تعكس واقع المجتمعات الثقافي والحضاري، وتساهم في تطوير مستوى التعليم والثقافة للشباب والأطفال. ومع ذلك، فإن هذه المنافذ تعاني من الإهمال والوضع المزري، ما يجعل الشباب يفقد الرغبة في زيارتها والاستفادة منها.
ويضيف المظفر، أن «الإهمال الذي تتعرض له المرافق الثقافية وغيابها، ينعكس سلبا على الشباب، حيث يدفعهم للجوء إلى أساليب خاطئة وغير أخلاقية وطرق خطرة للتسلية والترفيه».
تجدر الإشارة إلى أن تحويل عدد من المنتديات الشبابية في كربلاء إلى مراكز تجارية أدى إلى احتجاجات متكررة من الشباب الذين رفضوا هذه الخطوة، لكن بالرغم من ذلك، فقد تم منع بعض هذه الاحتجاجات من قبل القوات الأمنية، الا ان الشباب في كربلاء يصر على الاستمرار بالرغم من ذلك.
المنتديات تعود لإدارة المحافظات
من جانبه، أوضح المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة، حسام حسن، أن «المنتديات الشبابية خلال الوقت الحالي تعود لعهدة المحافظات، باستثناء محافظة كركوك».
واكد حسن خلال حديث خصّ به «طريق الشعب»، أن الوزارة «تسعى جاهدة لإعادة المنتديات الشبابية إلى إدارتها خلال العام الجاري».
جزء من الهوية الوطنية
ويعد الباحث في الشأن الاقتصادي عبد السلام حسن حسين، أن «المرافق الثقافية تمثل جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية والتراث الثقافي للمجتمعات، وتلعب دوراً حيوياً في تشكيل الوعي الثقافي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتحديدا لدى الشباب. ومع ذلك، يفرز غياب الاهتمام بالمرافق الثقافية تداعيات سلبية عديدة على المجتمع، حيث يؤدي إهمال هذا القطاع إلى نقص في الفرص التعليمية والثقافية للشباب، وبالتالي يزيد من انحدار المستوى الثقافي والتعليمي، ويؤثر سلباً على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد».
ويضيف حسين خلال حديث مع «طريق الشعب»، أن «ذلك الإهمال تترتب عليه تداعيات اقتصادية سلبية، حيث يؤدي ضعف البنية التحتية الثقافية إلى ضعف جاذبية البلد للسياحة التراثية، ما يقلل من دخل السياحة ويؤثر سلباً على الاقتصاد المحلي. كما ينعكس الإهمال للمرافق الثقافية على تفاقم الظواهر السلبية مثل ارتفاع معدلات الجريمة والتطرف الثقافي، وهو ما يضر بالاستقرار الاجتماعي والأمني للمجتمع».
ويحث حسين على أهمية «إعادة تأهيل وتطوير المرافق الثقافية الموجودة، والاستثمار في إنشاء مرافق جديدة، بحيث تكون متطورة ومجهزة بأحدث التقنيات والمرافق الحديثة، وذلك لتعزيز التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للبلاد، وتحسين جودة حياة المواطنين وتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي».
منتديات الشباب والمراكز الثقافية تتحول الى «مشاريع استثمارية» بسبب السياسات الحكومية
